شكّلت العقوبات الأميركية على رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل صدمة لكثيرين من محازبي التيار وانصاره، ممن كانوا يفترضون انّ التلويح منذ فترة بمعاقبة باسيل، هو مجرد تهويل سياسي للضغط وليس للتنفيذ. اما باسيل نفسه، فلم يتفاجأ بقرار إدارة ترامب ضدّه، بعدما كانت قد سبقته مقدّمات تمهيدية وجرعات من التحذير والتهديد، خلال لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين، ومن بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو والسفيرة المعتمدة في بيروت دوروثي شيا.
يعرف باسيل انّ العقوبات ستكون مكلفة، بل مؤلمة له على المستوى الشخصي، لكنه يجزم انّه مستعد لتحمّلها دفاعاً عن خياراته السياسية.
بهذا المعنى، يعطي باسيل من يناقشه في تداعيات العقوبات عليه انطباعاً ًبأنّ الأهم لديه هو انّه متصالح مع نفسه، ولو كان على خصومة مع الدولة المصنّفة بأنّها العظمى في العالم. واذا كان هناك من يعتبر انّ القرار الأميركي ضدّ باسيل قد دفعه والرئيس ميشال عون الى التشدّد في مقاربة توازنات الحكومة المقبلة للتعويض عن أثر العقوبات، كما استنتج رئيس حزب ««القوات اللبنانية» سمير جعجع على سبيل المثال، الّا انّ رئيس «التيار» يعتبر انّ العكس هو الصحيح، وانّ تلك العقوبات هي بالنسبة اليه حافز لمزيد من التسهيل لا التصلّب، علماً انّه تلقّى نصائح من البعض بأن يرفع سقفه ويطرح شروطاً تتناسب مع مقتضيات الردّ على الإجراء الأميركي. لا يزال باسيل متحصّناً عند خط دفاعه الأول، وهو الإصرار على وحدة المعايير في تشكيل الحكومة، متجنباً الخوض العلني في تفاصيل او مطالب قد تصبح «ممسكاً» عليه.
من منظار باسيل، تعكس المطالبة باعتماد المعيار الواحد في التأليف، الحدّ الأدنى المطلوب توافره لـ»سلامة البحث»، ملمّحاً الى انّه لو اراد ان يكون على سجيته السياسية بكاملها، فإنّ مجمل المنهجية المعتمدة في التأليف مرفوضة، لأنّها لا تنطلق من مقاربة واحدة ومتوازنة للصورة الكاملة، بل تستند الى اعطاء وعود متضاربة في كل اتجاه، لا يلبث صاحبها ان يكتشف استحالة التوفيق بينها عندما يحين أوان الإيفاء بها.
َوما يتوقف عنده باسيل أيضاً، هو انّ المنهجية التي يتّبعها الرئيس المكلّف سعد الحريري في تشكيل الحكومة لا تعير أهمية للوقت الضيّق والثمين، بل تستهلكه في مناورات متلاحقة.
وعلى رغم من المآخذ البرتقالية على سلوك الحريري، المتهم بأنّه يتعمّد تجاهل «التيار»، يعطي باسيل اشارات الى انّه قرّر ان يتساهل بهدف التسريع في ولادة الحكومة، لأنّها حاجة ملحّة للعهد قبل غيره، موضحاً انّ التيار لو اراد ان يتشدّد حتى النهاية في موقفه، فهو لا يقبل على سبيل المثال بصيغة الـ18 وزيراً التي يُقصد منها، استهدافه والنائب طلال إرسلان.
وما يسترعي انتباه باسيل، انّ هناك من يصرّ على استبعاده عن مشاورات التشكيل، بحجة انّ البتّ في هذا الملف يعود حصراً الى عون والحريري، في حين انّ مفاوضات تجري مع الآخرين تحت الطاولة، «وعلى رغم من ذلك لا مانع في انتظار ما سيؤول اليه النقاش بين عون والحريري ليُبنى على الشيء مقتضاه، علماً انّ التيار يبقى التيار ورئيس الجمهورية هو رئيس الجمهورية»، وفق تصنيف باسيل.
ويرى باسيل انّ ما يتفق عليه رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف يشكّل السقف الذي يمكن أن يستظل به، إلاّ انّه يحرص في الوقت نفسه على الاحتفاظ بخيار المشاركة في الحكومة من عدمها، ومنح الثقة من حجبها، تبعاً لطبيعة التركيبة الوزارية.
ووفق ما تحويه جعبة باسيل، فإنّ تفاهماً كان قد تمّ بين عون والحريري منذ البداية حول مبدأ ان يتولّى رئيس الجمهورية تسمية الوزراء المسيحيين، على ان يكونوا اختصاصيين وغير حزبيين. لكن المستغرب بالنسبة إلى رئيس «التيار»، انّه عندما حان وقت التطبيق اراد الحريري ان يختار هو الوزراء المسيحيين، بينما كان قد إتفق ضمناً مع «الثنائي الشيعي» ووليد جنبلاط على أن يسمّوا هم وزراءهم، وفي احسن الحالات يُترك له فقط حق الرفض الى ان يقبل في نهاية المطاف بهذا الاسم أو ذاك من بين ما سيُعرض عليه.
وما يعتبره التيار «صيفاً وشتاءً تحت سقف واحد» دفع رئيسه الى التساؤل: لماذا اعتماد المعايير المزدوجة في هذا الشأن؟ ولماذا ما يصح على المكونات الأخرى لا يصح على المكون المسيحي؟
وخلافاً لما يتداول به خصومه، ينفي باسيل بشدة ان يكون متمسكاً بوزارة الطاقة، مشيراً الى انّه لم يصرّ لا على حقيبة ولا على اسم، «والمطلوب فقط اعتماد أسس واضحة في التأليف، بمعزل عن الاستنسابية التي من نماذجها استثناء حقيبة وزارة المال من المداورة الشاملة».
ووفق إقتناع باسيل، لا مصلحة للشيعة في الاحتفاظ بحقيبة وزارة المال في هذا الظرف «لأنّ من شأن ذلك ان يعطي انطباعاً للداخل والخارج بأنّ ما يسري على الآخرين لا يسري عليهم نتيجة امتلاكهم السلاح، وهذا لا يخدم صورتهم».
وبالنسبة الى العقوبات الأميركية التي صدرت في حقه، اكتفى باسيل حتى الآن برواية فصل واحد من قصته مع الأميركيين، تاركاً للتوقيت المناسب سرد فصول أخرى بالغة الأهمية والدلالة، وحينها ستطفو على السطح حقائق جديدة «وسيظهر كيف انني تصرفت كما كان يجب أن اتصرف».
لا ينكر باسيل أنّ القرار الأميركي ترك انعكاسات سلبية على حياته اليومية، وكذلك على اعماله في المجال الهندسي والتي يجزم أنّها تشكّل المورد الأساسي له، الّا انّه يؤكّد انّ هذا الثمن الشخصي لن يبدّل في قناعاته بمعزل عن كلفتها.
وانطلاقاً من انّ أميركا تسيطر على النظامين المالي والمصرفي في العالم، يتحدّى باسيل أن تُكشف ارصدته وحساباته المفترضة في المصارف بعد اصدار العقوبات ضدّه بذريعة الفساد، مبدياً ثقته في انّهم لن يتمكنوا من ذلك «لانني وببساطة شديدة لا أملك شيئاً من هذا القبيل». َوبينما يستكمل باسيل تحضير متطلبات الخيارات القانونية التي سيلجأ اليها في التوقيت المناسب رداً على اتهامات الإدارة الأميركية له بالفساد، يستهجن كيف أنّ من بين الذرائع التي استندت اليها العقوبات القول إنّه أسس عام 2014 شركات واجهة في مجال الطاقة، فيما انّه لم يكن وزيراً للطاقة آنذاك. اما في خصوص الإشارة إلى انّه استخدم نفوذه لتعيين قريبين منه في الإدارة عام 2017، يلفت باسيل الى انّ ما حصل آنذاك هو اصدار تشكيلات ديبلوماسية بموجب قرار مجلس الوزراء مجتمعاً.
وليس مستبعداً في حسابات باسيل احتمال وجود بصمات اسرائيلية على قرار العقوبات الأميركية ضدّه، كون سلوكه السياسي يزعج تل أبيب كثيراً، مستشهداً بأحد الأمثلة وهو انّ بنيامين نتنياهو الذي عرض صوراً في الأمم المتحدة حول وجود مخازن صواريخ لحزب الله في محيط مطار بيروت، لم يهضم مبادرته الفورية آنذاك الى تنظيم جولة اعلامية في تلك المنطقة لإثبات عدم صحة ما روّج له رئيس الحكومة الاسرائيلية.
وإزاء الضغوط التي يتعرّض لها، لا يخفي باسيل شعوره بأنّه يواجه في هذه المرحلة خطراً أمنياً، وأنّ حياته قد تكون مهدّدة، وسط انطباع لديه بأنّ هناك من يريد أن يتخلص منه «بعدما صار يشكّل عبئاً على بعض المشاريع والمخططات الخارجية».