لم يحضر الموفد الفرنسي باتريك دوريل الى لبنان لإعطاء الاوامر، ولا للاستجمام بل حضر في مهمة بالغة الدقة والمسؤولية، لاخراج البلد من ازماته من بوابة تشكيل حكومة الانقاذ، لتوفير الدعم والمساعدات، ومع الاسف ان الرجل غادر لبنان، وليس في جعبته، او بين يديه، او على لسانه، ما يفيد بأن الاطراف المعرقلة، تعيد النظر في مواقفها، وقد سلمته وثيقة التجاوب مع المبادرة الفرنسية.
وهكذا عاد دوريل الى بلاده، وهو وحده يعلم ما في سرّه، لجهة ما بعد الزيارة، لكن الاوساط تتحدث عن احتمالات تتحضر وحسب بعض المصادر المقربة من الدوائر الفرنسية فإن الزيارة وضعت النقاط على الحروف، وتجميع المعطيات المتعلقة بالمبادرة، قبل اتخاذ ماكرون قراره الاخير ، ولم تستبعد المصادر بأن الاتجاه يميل باتجاه فرض عقوبات على بعض السياسيين اللبنانيين .
كل اللقاءات الداخلية والخارجية لم تنجح في إيجاد مخرج لأزمة تشكيل الحكومة العتيدة. لا اللقاء السري الذي عقد بين الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون توصل إلى أي نتيجة، وايضاً اللقاء الذي عقد بين وزيري خارجية الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا كان محط التقاء مشترك على نظرة واحدة حيال الملف اللبناني. الامر الذي يفيد إلى ان الطريق لا يزال مسدوداً وهذا ما سيزيد من التوقع بالمزيد من الصعوبات والضغوط والعقوبات التي تتحدث المعلومات عن أن وتيرتها ستتصاعد في المرحلة المقبلة.
بناءً على ما تقدم، لم يسجل لقاء الرئيسين عون والحريري أي تقدم،على الرغم من محاولة الرئيس المكلف أن يجس نبض رئيس الجمهورية بعد زيارة الموفد الفرنسي للبنان لكنه اصطدم بموقف واضح لدى عون وهو الإصرار على مطالبه وعدم التنازل،الذي أبلغه بشكل واضح إذهب واتفق على آلية توزيع الوزراء مع القوى الأخرى، ومن ثم نلتقي لنبحث بكيفية توزيع الوزراء المسيحيين، هذا الجواب وحده بمثابة إشارة إلى أن مساعي تشكيل الحكومة ستكون أمام مرحلة تجميد جديدة.
اما في باريس، فإن الأجواء التي تبلغها الرئيس الفرنسي ماكرون وأعضاء خلية الملف اللبناني كانت سلبية جداً، بحيث قدم باتريك دوريل ملخصاً لنتائج زيارته إلى لبنان مفاده أن لا مجال للرهان على التفاهم بين القوى السياسية اللبنانية، لأن لا أحد جاهز لتقديم تنازلات، هذا يدفع إلى قناعة فرنسية بأنه لا مجال للتوصل إلى تسوية بدون ضغوط خارجية، هذه النتيجة تعني حكماً تأجيل عقد المؤتمر الدولي لبحث كيفية تقديم الدعم الإقتصادي للبنان.
أما اللقاء بين بومبيو وجان إيف لودريان، والذي حضره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لفترة بسيطة، تشير المعلومات إلى أنه لم يكن جيداً لا في الشكل ولا في المضمون.
فقد صدر بعد اللقاء بيان أميركي ولم يصدر بيان فرنسي، وهنا تشير المعلومات إلى أن باريس لا تريد أن تكون محرجة مع إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، من خلال اللقاء مع بومبيو وتوزيع مواقف مشتركة، خصوصاً في ظل الإختلاف بوجهات النظر بين الطرفين. هذا الإختلاف واضح حول ملفات متعددة أبرزها الملف اللبناني، خصوصاً ان التصعيد الاميركي سيستمر تجاه لبنان وذلك يتضح من خلال البيان الذي أصدرته الخارجية الأميركية.
إقرأ أيضا : تشكيل الحكومة أمام خيارات صعبة بعد العقوبات
الواضح ان للمعرقلين حساباتهم ومصالحهم المتداخلة مع مصالح خارجية، وملف تشكيل الحكومة، تعرض ولايزال يتعرض الى المزيد من العرقلة المتعمدة وعن سابق اصرار وتصميم،وقد ذهب البعض الى حد الربط بين تشكيل الحكومة، وما ستنتهي اليه صورة الانتخابات الرئاسية الاميركية، ظنا من هؤلاء، ان هذه الانتخابات قد ترتد عليهم بمكاسب تعزز من حضورهم وفعاليتهم السياسية وغير السياسية، على الساحة اللبنانية، ولم تغب عن التداولات ما قالته السفيرة الاميركية، في لبنان، دوروثي شيا، لجهة ان بلادها ماتزال تستعمل سياسة الضغط على حزب الله وعلى التيار الحر، لعلاقته بالحزب، وسوف نصر على موقفنا.
مع الاسف ان لبنان وشعبه، يدفعون ثمن الوقت الضائع، وحسابات ومصالح الافرقاء المعرقلين والمعطلين
وعلى الرغم من كل الضغوط الخارجية الهادفة الى انقاذ لبنان الا انه مع الاسف سياسة النعامة هي السائدة.
الانظار اليوم مشدودة الى باريس للوقوف على ما يمكن ان يؤول اليه الموقف الفرنسي لجهة المبادرة الانقاذية التي طرحها الرئيس ماكرون، ولبنان على شفير الارتطام بقعر الهاوية .