تمكنت القوى الأمنية في مدينة بعلبك وبعملية أمنية نوعية وغير مسبوقة من قمع مخالفات البناء في بعض أحياء المدينة لا سيما حي العسيرة وقامت قوة من الامن الداخلي بإزالة "التعديات" وأقدمت على إزالة بعض الأعمدة الاسمنتية لبعض المباني وتهديم ما تم بناؤه ويعود لعدد من المواطنين.
الخبر قد يكون عاديا في دولة القانون والمؤسسات، وقد يكون عاديا أكثر لو أن هذه الأجهزة تقوم بمهماتها في تثبيت الامن والاستقرار في المنطقة بملاحقة المخلّين والمسلحين واللصوص وزعران العشائر، وقد يكون عاديا أيضا لو قامت هذه الأجهزة بقمع المخالفات بالاحتكار وجشع التجار واصحاب المولدات والمحطات وغيرها.
في السياق الطبيعي ثمة مخالفات على كل صعيد ولا بد من دولة وقانون وأجهزة لفرض هيبة الدولة وتطبيق القانون، أما ما يجري قبل أيام وأمس واليوم في بعلبك فهو مزاجية غير مسبوقة وهو إنتقائية غير مبررة بل هو اعتداء تمارسه القوى الأمنية على أرزاق الناس وممتلكاتهم وجنى عمرهم وما هذه الأبنية إلا منازل لإيواء العائلات ممن لا حول لهم ولا قوة وممن لم يجدوا سبيلا لتحصيل رخص البناء القائمة أولا وأخيرا وفق قانون المحسوبيات و"الواسطات" والتي لا تعطى لأهالي بعلبك بقرار سافر جائر من وزارة الداخلية منذ سنوات الأمر الذي أدى إلى مزيد من البطالة والفقر والعوز في المدينة بعدما كانت مثل هذه الرخص عاملا مساعدا وأساسيا في إطلاق دورة إقتصادية وإنمائية وكانت مدينة بعلبك وما زالت بأمسّ الحاجة إليها.
إقرأ أيضا : الإقفال السياسي
إن استعراض القوى الامنية عضلاتها في بعلبك بقمع "مخالفات البناء" هو إجراء ليس في محله اليوم وهو يؤدي إلى المزيد من الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
طالما ناشد أهالي بعلبك الدولة والجيش والقوى الامنية بضبط الأمن ووضع حد للفلتان الامني ووضع حد للسلاح المتفلت لكنّ أحدا لم يسمع ولم يستجب فبقيت المدينة ضحية التسيب الامني والسلاح ولا يمر يوم دون أن يسمع اهالي بعلبك اصوات الرصاص والقذائف باشتباكات هنا وهناك، كل ذلك ولم تكلف هذه الأجهزة نفسها القيام بمهمة ضبط الامن والسلاح وتطبيق القانون وفرض هيبتها كما تحاول اليوم في العسيرة ضد عدد من مخالفات البناء التي هي بالأصل من حق المواطنين لولا قرار المنع الجائر بحق المدينة وأهلها.
بعلبك اليوم تعاني من الإهمال والحرمان والتسيب الأمني وفوضى السلاح والاحتكار وغلاء الاسعار ما يكفي بل ما يفرض على الدولة والقوى الامنية الضرب بيد من حديد وهنا تكمن مهمة القوى الامنية وهنا تكون الساحة الحقيقية لعرض القوة والعضلات وهذا هو ميدان الاختبار الصحيح لتطبيق القانون، وأما تهديم الابنية بالقوة وفرض القانون بالقوة على شريحة محددة فهو الظلم بعينه وهو الانتقائية العدائية بعينها هذا كله فضلا عن التوتر الحاصل في المدينة حتى هذه اللحظة بسبب التعاطي اللامسؤول للاجهزة الامنية مع قضية الابنية المخالفة وتشهد المنطقة منذ ساعات حالة استنفار بين الاهالي والقوى الامنية ما زالت حتى اللحظة.
إن مسؤولية القوى الامنية حفظ الامن قبل اي شيء آخر وبالتالي لا بد من الذهاب الى الاولويات بعيدا عن لغة القمع والتحدي ومعالجة الامور بمنطق الدولة والمؤسسات .