في المقابل، آمل من حكّامنا العرب، أن يأخذوا بما حدث لترامب الّذي لم يشفعْ له كلّ نفوذه بالبقاء لخمس سنوات أخرى، فلستُ أرى مثالًا معاصرًا غيره لمصير أصحاب جنون العظمة في هذا الزّمن –على الأقلّ- !
 

يبدُو أنَّ دخول البيت الأبيض، ليسَ كالخرُوجِ منهُ، خُصوصًا إن كنتَ رئيسًا مُصابًا بجنُون العَظمة كـ «ترامب»، إذْ يلزمكَ وقتٌ طويلٌ لتقتنعَ أنّك لنْ تمشي صباحًا ولا مساءً في ردهاته وساحاته وغرفه الفاخرة، وأماكنه الأكثر  غموضًا حتّى الآن على من لم يدخله أبدًا.

 

 

لا أدري إن كان المُغادر «ترامب» قد أجرى اتّصالاً –حسب البروتوكول الأمريكيّ- لتهنئة خصمه «بايدن» الّذي حلّ محلّه حاليًا ليجلس على الكرسيّ الوثير بعدهُ، في الوَقْتِ الّذي تمسّك فيه «بايدن» بالبرتوكول الّذي يُجيز له حقّ طرد الرَّئيس السّابق، إن أبى مغادرة البيت الأبيض بمحض إرادته!

 

 

ترامب لمْ يفوّتْ أيّ فرصةٍ ليكتب عدّة تغريدات في حسابه، حدَّ أنّه أقحم Twitter نفسه في حالة فوضى، حيث قضى الموقع  يصحح المعلومات المغلوطة الّتي نشرها على حسابه معيدًا ذكر مصادرها.

 

 

فجأة أصبحَ الرّئيس السابق نشيطًا جدًّا على موقع «Twitter » أكثر من فايروس كورونا، وفجأةً أصيبَ بصدمة انتهاء الحكم، حيث فجّر  كثيرًا من التّغريدات المتتالية، إذ لم يقتنعْ ترامب بخبر  «طرده»، ولم يصدّق ذلك وعلّق في تغريدة قائلًا  فيها:

 


"لقد فزتُ في هذه الانتخابات". ثمَّ شكّك في صحّة الانتخابات نفسها وطعن في نتائجها، لفرط ما كان واثقًا من خطاباته الأكثر حماسةً من غيره.

 


 
لنعترف بالقول إنّ ترامب قد كان الأكثر حيويّة من غيره في المُناظرات السّياسيّة وخلال الحملات الانتخابيّة، حيث كان خصومه باردين جدًا في أساليبهم مع الشّعب، ووحده كان يُشعِل السَّاحات في الشّارع بخطاباته مع أنصاره الأمريكيين.. إلَّا أن كلّ ما قام به لمْ يضمن له مكانه اليوم، فبينما انشغل بتهجير المسلمين  عوّل «بايدن»  عليهم، ما عزّز  فرص انتخابه منهم، رغم الادّعاءات الّتي تطاله بشأن الأنظمة المتشدّدة الّتي يدعمها.

 

 

ما لم يعلمه ترامب أنّه لن يعودَ إلى البيت الأبيض منذ اليوم الذي مرضَ بالفيروس الصّينيّ (كما كان يحلُو له أن يُسمّيه) ولعلّه لم يعرف تلك الحكمة التي لم يتعلّمها كلّ من جرّبوا السلطة جميعًا: لو دامتْ لغيرك لما آلتْ إليك!

 

 

حتّى الآن، وصلتْ إلى ترامب عروضٌ كثيرة، أولّها كتابة كتاب يتحدّث فيه عن فترته الرّئاسيّة مقابل 100 مليون دولار. (ولا أشكّ في أنه سيُهمل كتابة مذكّراته الرّئاسيّة في عزلته الجديدة الأبدية بعد عزلته في الحجر الصّحيّ)، وثانيها 1 مليون دولار للظّهور  والتَّحدّث أمام النّاس فقط ليُقدّم حُجَّة وداعه الأمريكيّة وليقول العبارة الشَّهيرة: "God Save Amercia !".

 

 

انتهى الأمر بترامب أن يكون مُطلّقًا مرّتين إذنْ، الأولى من زوجته قريبًا، والثَّانية من الشّعب الأمريكيّ، بلْ  ومحرومًا كذلك من قيادة السَّيارة إلّا داخل ملكيته الخاصّة، ومُراقبًا  هاتفيًّا للأبد، إضافةً إلى مراقبة ما يفعل في الانترنت، هو الذي كان ينشر  تغريدة كل دقيقتين.

 

 

سنة 1960، عندما سئل الزَّعيم الكوبي "فيدل كاسترو": أيّهما تراك تفضله للحكم: كيندي أم نيكسون (اللّذين انتهى أحدهما مغتيلًا  والآخر مفضوحًا) أيّام الانتخابات الأمريكية حينها، أجاب : "لا يمكن المفاضلة بين فردتي حذاء يلبسهما نفس الشخص" ولو جئنا به الآن بعد كلّ هذه السنوات، وطرحنا عليه نفس السؤال: من تراك تفضل أيها الزّعيم: ترامب أم بايدن؟ لردَّ بالجواب نفسه الّذي قاله أول مرة وبأكثر وثوقيّة!

في المقابل، آمل من حكّامنا العرب، أن يأخذوا بما حدث لترامب الّذي لم يشفعْ له كلّ نفوذه بالبقاء لخمس سنوات أخرى، فلستُ أرى مثالًا معاصرًا غيره  لمصير أصحاب جنون العظمة في هذا الزّمن –على الأقلّ- !