مشكلة التيارات السياسية الحديثة أنها شبّت وشاخت قبل أن تمرّ بمراحل الطفولة، وهذا ما يجعل أطفالها كباراً وفي مواقع المسؤولية المباشرة تماماً كما هي أحوال التيارين الذين يتقاطعان في كثير من المعطيات المشتركة من حداثة التأسيس الى صبينة المسؤولية لصبيان ورثوا العمل السياسي كمن يولد وفي فمه ملعقة من الذهب، وهذا ما كرّس تناقضات عدّة في مساري تياري الحر والمستقبل لجهة الدعوة التي يؤمنون بها والممارسة التي يعملون بها في حياة سياسية مليئة بعلامات الإستفهام والتعجب .
أحدهم رمى حكيم القوّات بحجر كان يلعب به طفلاً في شوارع المدينة التي سكنها وتجاوز فيه حدود الإصابة المباشرة ليخترق حزباً لم يولد من فراغ بقدر ما ولد من زحمة الحرب التي خاضها دفاعاً عن لبنانه الذي يراه محتلاً من قبل الغرباء ووجب عليه حمل السلاح لمقاتلتهم والزود عن السيادة ودفاعاً عن الدولة ولا مجال هنا لنقاش حق الإختلاف مع التجربة القواتية وإثارة عدة نقاط محاصرة لدورها وخادشة لمسيرتها وهذا ما يطال الكثرة العاملة في الحقل السياسي من أحزاب ما قبل الطائف وأحزاب ما بعد إتفاق الطائف .
لا شك بأن قيادات العمل السياسي في كثير من أحزابنا اللبنانية نشأت وتربت وترعرعت في أحضان الحروب وهذا ما جعل منها قيادات مناضلة كل على هواه لهذا هي وصلت الى ما هي عليه نتيجة مسار طويل من الظروف السياسية الصعبة والإمتحانات الميدانية المفخخة بأكثر من قنبلة موقوتة كادت أن تودي بحياة هذا أو ذاك من مسؤولي التنظيمات اللبنانية .
إقرأ أيضا : عرب ترمب وإيرانيو بايدن
في الوقت الذي لم تعان فيه بعض المولودات الحديثة من قيادات المرحلة السياسية الراهنة من أي عبوة تاريخية ولم تتمرّس من خلال القيام بأعمال نضالية تقودها الى حيث هي فيه دون أيّ عناء أو تعب أو بذل وكل ما هنالك أنّها صحت في لحظة حرجة على دور متقدم في العمل السياسي لذا تراها تتخبّط يميناً وشمالا وبطريقة هستيرية تتطيح بكل منجز قادها الى ما هي عليه من قوّة أو من نفوذ بحيث ضيع الوارثون إرثهم وما تُرك لهم من أرصدة وهذا ما أضعف تياري الوطني والمستقبل على المستويين الوطني والطائفي .
كان من الأجدى التريث قبل الطعن بشهادة حليف ناصر الحريرية السياسية ولم يتخل عنها كهدف وطني وتنكر لتجربة خاطئة لم تقد الى هذا الهدف ولكن سرعة الرشق لأطفال الدمى والأحجار عكست سرعة الهبوط الدائم لتيار صعد القمّة اللبنانية وانحدر عنها متدحرجاً الى أسفل الأسافل .
من الملاحظ أن ثمّة بطاريات سياسية قد نفدت ولم يعد بالإمكان شحنها وأصبح من الطبيعي استبدالها لتحسين حركة المرور لهذا التيّار أو ذاك بعد أن فاتهما ما فات وبات التحكّم بهما أمراً مبرراً لخلوهما من سن الرُشد السياسي ومهما حاول البعض " تدكير " هذه البطارية المعطوبة أو تلك المعطلة كي تتحرك وفق طريقه الخاص تبقى ضرورة البحث عن بدائل مجدية لتصحيح خللي التيارين أمراً منشوداً طالما أن التراجعات الحاصلة في صفوفيّهما ترتجي أملاً بخلاء المراكز المشغولة لصالح أكفّاء أكثر نضجاً وعمقاً وأقل سطحية مما هي عليه أحوال المسؤوليات القائمة في ورشتيّ التيارين اللذين حالفهما الحظ مرات وخالفهما لمرة تدفع الى استغلال ذلك للتخلص من طفيليات النخب الحزبية .