متى يصبح فيروس كورونا المستجد مثل الزكام؟ هل ننجح في السيطرة عليه ويفقد شراسته؟ وما هي درجة إماتة مرض كوفيد-19 وما العلاقة بينه وبين تخثر الدم؟ ولماذا يعد الأطفال أقل عرضة للإصابة بعدوى كورونا مقارنة بالبالغين؟


هذه الأسئلة وغيرها نجيب عليها هنا في هذا التقرير الشامل.

وفيروس كورونا المستجد اسمه العلمي "سارس كوف 2"  الذي يسبب مرض كوفيد-19.

نبدأ من إيطاليا، حيث قال جوزيبي ريموزي، من معهد ماريو نيغري للأبحاث الدوائية في ميلانو، -لصحيفة كورييري ديلا سيرا (Corriere della Sera) الإيطالية- إن لقاح فيروس كورونا لن يجعل المرض يختفي تماما.

ولدى سؤاله عما إذا كان اللقاح سيقضي على الفيروس، قال ريموزي "لا، ومن الأفضل أن نقول ذلك بوضوح. جميع اللقاحات قيد الإعداد، بدءا من فايزر، لن تكبح فيروس كورونا، بعبارة ملطفة، ستكون أكثر شبها بلقاحات الإنفلونزا أكثر من لقاحات شلل الأطفال. ستقينا من المرض لكنها لن تجعله يختفي".

 

وقال أيضا إن وصول اللقاحات وإجراءات الصحة العامة الأخرى سيؤدي إلى أن يصبح مرض كوفيد-19  مثل الزكام (نزلة البرد). ومع ذلك أشار ريموزي إلى أن هناك متغيرات كثيرة للغاية وأن المسار المستقبلي للوباء من المستحيل التنبؤ به.

وسيساعد وصول التطعيم لكوفيد-19 على تجنب أكبر عدد ممكن من الوفيات -كما يقول ريموزي- ويمنع انتقال الفيروس من شخص لآخر، لكنه قال إن ارتداء الكمامة والإجراءات الأخرى لا تزال مهمة.

وأضاف "اليوم، لقاحنا هو الكمامة، عندما يصل لقاح حقيقي، سنكون أقوى. لهذا السبب بالتحديد من المهم الآن أكثر من أي وقت مضى عدم التخلي عن الاحتياطات".
 
كوفيد-19.. مميت، لكن إلى أي حد؟
يعتبر معدل الوفيات الناجم عن الإصابة بفيروس كورونا بمثابة عامل رئيسي من شأنه أن يساعد على فهم حجم الوباء، وقال الكاتبان غويندولين دوس سانتوس وكارولين تورب، في تقرير نشرته صحيفة "لوبوان" (Le Point) الفرنسية، إنه منذ تفشي الوباء، تم التطرق إلى معدل الوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا. والسؤال هو "من بين المصابين بالفيروس، كم عدد الأشخاص الذين يلقون حتفهم؟".

الجواب هو أقل من 1%.

وبحسب فريق من الباحثين من "إمبريال كوليج لندن" (Imperial College London) راجعوا ما لا يقل عن 175 دراسة منشورة حول العالم، توصلوا إلى أن عدد الوفيات الناجم عن العدوى يساوي 1% من مجموع الحاملين للفيروس. كما قدر العلماء معدل الوفيات بعد الإصابة بكورونا، في البلدان ذات الدخل المرتفع مثل فرنسا، بحوالي 1.15%، في حين قدر في البلدان المنخفضة الدخل بحوالي 0.23%.

ما العلاقة بين كوفيد-19 وتخثر الدم؟
قال ستيفان زويلي أستاذ طب الأوعية الدموية في المركز الطبي الجهوي والجامعي بمدينة نانسي الفرنسية "لقد طرحنا هذا السؤال على أنفسنا منذ آذار. عندما وصل الفيروس إلى الغرب، لوحظ على الفور شيء غريب، حيث تعرض عدد لا يحصى من المرضى إلى تخثر في الدم". وذلك وفقا لتقرير نشرته صحيفة "لوفيغارو" (Le Figaro) الفرنسية للكاتب تريستان في.

ويؤدي التخثر إلى جلطة دموية تسد الأوردة أو الشرايين، وقد يتسبب في سكتة دماغية أو نوبة قلبية أو التهاب وريدي في القدمين. وعندما تتسبب الجلطة الدموية في انسداد أحد شرايين الرئتين، يحدث ما يسمى الانسداد الرئوي، وهو ما تسبب في وفاة أول مريض بكوفيد-19 في فرنسا.


الأجسام المضادة للفوسفوليبيد
يؤكد نيكولا جيندرون، الطبيب في قسم أمراض الدم بمستشفى جورج بومبيدو الأوروبي في باريس، أن "السؤال الذي يجب طرحه هو ما إذا كانت هذه الحالة تحدث للمرضى المعرضين أساسا للإصابة بتخثر الدم (على غرار من يعانون من السمنة أو السرطان أو نقص بروتين التخثر، وما إلى ذلك) أم أن المرض (كوفيد-19) هو المسؤول عن حدوث هذا التخثر؟".

ورغم أن نسبة كبيرة من المصابين بأشكال حادة من كورونا أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بتخثر الدم، يؤكد جيندرون أن المعرضين بشدة لخطر التجلط بعد الإصابة بكوفيد-19 "ليسوا بالضرورة الأكثر عرضة لتجلط الدم في الأوقات العادية".

ويعود زويلي ليقول إن مرضى كوفيد-19 لديهم دم أكثر كثافة، وذلك يرتبط حسب رأيه بجملة من الأسباب التي لم تتوضح بعد، ولهذا السبب توصف لهم غالبا علاجات مضادة للتخثر كإجراء وقائي.

ومن بين احتمالات يركز عليها الباحثون لتفسير "فرط تخثر الدم" لدى المصابين بكوفيد-19، وجود الأجسام المضادة للفوسفوليبيد المسببة لـ "متلازمة أضداد الفوسفوليبيد" (antiphospholipid antibodies (called APL) والتي تعد السبب الرئيسي لتجلط الدم لدى الشباب الذين لا يعانون من أي أمراض.
ويرى زويلي أن هذه الفرضية تحتاج إلى المزيد من التدقيق، إذ من المعروف منذ فترة طويلة -حسب قوله- أن العديد من الالتهابات يمكن أن تؤدي إلى تكوين الأجسام المضادة للفوسفوليبيد دون أن يزيد ذلك من خطر الإصابة بتجلط الدم.

ويتابع "فقط إذا كان استمر إنتاج تلك الأجسام لفترة طويلة، يمكننا القول إنها قد تؤدي إلى تجلط الدم". وقد أكدت كاترين ديفريز، الخبيرة البارزة بجامعة خنت في بلجيكا، أنه "لا وجود للأجسام المضادة للفوسفوليبيد في دماء المرضى بعد 3 أشهر من الإصابة".

بطانة الأوعية
ومن الافتراضات الأخرى التي يدرسها الباحثون تلك المتعلقة بالبطانة الغشائية (Endothelium) التي تبطن الأوعية الدموية. في هذا السياق، يعود جيندرون فيقول "يبدو أن الفيروس يهاجم الخلايا التي تشكل بطانة الأوعية الدموية" مما يشكل أرضية التهابية ملائمة لتخثر الدم.

كما يشك الباحثون في أن بعض خلايا الدم البيضاء قد تلعب دورا في عملية تخثر الدم، حيث إن هذه الخلايا تعتبر من الوسائل التي يستخدمها جهاز المناعة لصد الفيروس.

لغز الأطفال
كتبت غينا كولاتا في "نيويورك تايمز" (The New York Times) "لقد كان لغزا كبيرا: لماذا الأطفال أقل عرضة للإصابة بفيروس كورونا المستجد من البالغين؟" مضيفة أنه يحتمل أن العديد من الأطفال لديهم بالفعل أجسام مضادة لفيروسات كورونا الأخرى، وفق باحثين بمعهد فرانسيس كريك في لندن.

وحوالي 1 من كل 5 من نزلات البرد التي تصيب الأطفال تسببها الفيروسات في هذه العائلة، وقد توقف الأجسام المضادة لتلك الفيروسات أيضا فيروس كورونا المستجد "سارس كوف 2".

وفي دراسة نشرت الجمعة في مجلة العلوم (Science) أفادت المجموعة البحثية بقيادة جورج كاسيوتيس، الذي يرأس مختبر المناعة الفيروسية في المعهد، أن 5% فقط من البالغين لديهم هذه الأجسام المضادة في المتوسط، لكنها موجودة لدى 43% من الأطفال.