رغم تعرض فيينا قبل أيام لهجوم دام، اعتبرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن النمسا تعتبر "النموذج الأمثل" في التصدي للإرهابيين والمتشددين في القارة الأوروبية، بعكس فرنسا التي فشلت في ذلك.
ومع أن حكومة المستشار النمساوي سيباستيان كورتس لم تنجح في إحباط هجوم فيينا الإرهابي، لكنها تكافح الإرهاب بخطوات حازمة وتتحدث منذ سنوات باللغة التي يستخدمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حاليا.
وكان هجوم إرهابي وقع في العاصمة النمساوية مطلع نوفمبر الجاري، وقتل فيه 4 أشخاص وأصيب 20 آخرين، قبل أن تقتل السلطات المهاجم الذي تبين أنه كان معروفا لأجهزة الأمن.
وبقدر ما كان هجوم فيينا مأساويا، فإنه لم يكن مفاجئا لخبراء مكافحة الإرهاب.
وقبل أسبوع من هذا الهجوم، قتل 3 فرنسيين في هجوم إرهابي على كنيسة بمدينة نيس الفرنسية.
وسلط الهجومان الضوء على ظاهرة الإرهاب في القارة الأوروبية، وهو تهديد لم يتبخر بحسب خبراء مكافحة هذه الظاهرة.
لكن ما هو مؤكد، أن التهديد الإرهابي في الوقت الراهن أقل حدة مما كان عليه الوضع بين عامي 2014 و2017، عندما نفذ متطرفون هجمات دامية بدا بعضها وكأنه يحدث بصورة منتظمة، وكان بعضها بتحريض من تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي انهار في معقليه بسوريا والعراق.
أولوية مكافحة التشدد
تقول "فورين بوليسي" إن كورتس وحزبه جعلوا من مواجهة "الإسلاموية" بشقيها العنيف وغير العنيف، إحدى أولويات سياستهم.
وأضافت أن كورتس متقدم كثيرا على ماكرون، الذي يتحدث في هذه الأيام عن ضرورة مواجهة الأصولية، إذ إن المستشار النمساوي يتحدث عن الأمر منذ سنوات طويلة.
ولدى كورتس رؤية بشأن "الإسلاموية"، إذ يعتبرها تهديدا للحياة الديمقراطية والتماسك الاجتماعي في النمسا، كما أثار الانتباه بشأن التمويل الأجنبي للمؤسسات الإسلامية المحلية في بلاده وتأثيرات ذلك.
إجراءات ملموسة
وقالت المجلة الأميركية إن "المستشار النمساوي اتخذ إجراءات ملموسة بهذا الشأن، فعلى سبيل المثال، أقرت النمسا في 2015 مراجعات للقانون الذي ينظم العلاقة بين الدولة والمجتمع المسلم فيها".
وأعاد كورتس تنظيم معايير تعيين الأئمة، بالإضافة إلى حظر التمويل الأجنبي للمؤسسات الإسلامية في النمسا، وقدمت الحكومة قانونا يحظر رموز تنظيم الإخوان الإرهابي.
كما شرعت فيينا في إجراءات لإغلاق العديد من المساجد المتطرفة وطرد الأئمة المتشددين، وأنشأت مرصدا دائما للإسلام السياسي.
تأخر فرنسي
على الجهة الأخرى، بدأت فرنسا في اتخاذ هذه الإجراءات في الآونة الأخيرة، بعدما قطع متطرف شيشاني رأس أستاذ تاريخ وجغرافيا في باريس، فيما بدا أنها متأخرة للغاية مقارنة بالنمسا.
واعتبرت "فورين بوليسي" أن "السياسة النمساوية في مواجهة التطرف والإرهاب حققت نجاحا نسبيا، رغم كل العقبات على اعترضت طريق الحكومة".
ومن بين التحديات التي واجهت حكومة كورتس عقبات من قبيل قلة الموارد المخصصة والصعوبات القانونية في ترحيل المتطرفين وحل المنظمات المتشددة، والأحكام القضائية المخففة كما ظهر في حالة منفذ هجوم فيينا، إلا أن المستشار النمساوي لم يقف مكتوف الأيدي.
التهديدات في النمسا
قد يظن البعض أن النمسا بصورتها الهادئة في أذهان الجميع، بعيدة عن التهديدات الإرهابية، لكن ذلك ليس صحيحا على الإطلاق.
وواجهت النمسا تهديدا إرهابيا خطيرا في السنوات الماضية، فنحو 300 من مواطنيها غادروا البلاد للانضمام لتنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا والعراق، في واحد من أعلى المعدلات في أوروبا.
وكان المتشددون قد وجدوا في النمسا ملاذا لهم منذ أمد بعيد، الأمر الذي أفضى فيما بعد إلى تنامي ظاهرة التطرف في البلاد.
وعلى سبيل المثال، استقر عضو مصري في تنظيم الإخوان في النمسا، ثم بدأ نجله العمل الدعائي لصالح التنظيمات الإرهابية، قبل أن يسافر إلى سوريا حيث التحق بـ"داعش"، وقتل في غارة جوية أميركية.