انتهت الانتخابات الأميركية إلى ما انتهت إليه، وانتصر الشعب الاميركي في ممارسة حقه الديمقراطي بالتصويت وبفرض خياراته وتطلعاته وبمشاركته الفعلية والثابتة في الحياة السياسية والاجتماعية للولايات المتحدة.
لقد أثبتت الانتخابات الاميركية بمجرياتها على الصعيد الداخلي والشعبي أن الديمقراطية هي خيار سيّد وهي خيار بنّاء من أجل التغيير نحو الأفضل، الأفضل الذي يراه الشعب الأميركي لنفسه بغض النظر عن النتائج وتبعاتها السياسية داخليا وخارجيا.
المشاهد التي رأيناها خلال الايام الماضية أن الشعب كله وأن المسؤولين جميعهم كانوا يحتكمون إلى القانون، إلى المؤسسات، إلى كنف الدولة وبالرغم من كل الشوائب والمشاكل والمناكفات التي انتهت إلى لباسها القانوني والمؤسساتي والديمقراطي فانتصر الشعب كله، لأنه شعب يؤمن بدولته ومؤسساته وكل ما يحكم هذه المؤسسات من دستور وقوانين ترجع إليها وحدها الكلمة الفصل في أي نزال أو نزاع أو خلاف.
إقرأ أيضا : سخافة التكليف وصراعات التأليف!!
انتصر الاميركيون من جديد في إرساء ديمقراطيتهم تلك وتابع اللبنانيون بشغف كل التفاصيل الأميركية منذ ما قبل الانتخابات وذهبوا كما العادة إلى مزيد من الإنقسام بين مؤيد لترامب ومعارض له، وبين التصفيق لبايدن وممتعضٍ منه فامتلأت صفحات التواصل الإجتماعي للبنانيين إلى ما يشبه النزاعات وأفضت جميعها إلى مشهد مثير للإشمئزاز لا سيما عندما يستقوي لبنانيٌ على لبنانيٍ آخر بخيارات الأميركيين، فيما نعاني كلبنانيين من صراعات خياراتنا القاتلة ومماحكاتنا المميتة.
ولأن كل فريق من هؤلاء اللبنانيين خياراته السياسية الخارجية وولاءاته الخارجية خسرنا لبنان وما زلنا نخسر ما تبقى من لبنان، هذا كله والبلد فيما يشبه الفراغ السياسي، ويتنقل من أزمة إلى ازمة ومن انهيار الى انهيار، وهذا الشعب نفسه ينأى عن أي تغيير من شأنه أن يعيد البلد إلى سكة الحلول وجادة الصواب.
اللبنانيون المتصارعون حول الانتخابات الاميركية هم بلا دولة غارقون في وحول الازمات والانهيارات والخيارات، فيضيع لبنان من أيديهم فيما يستطفون مع الاميركيين في اقتراع ما لا شأن لهم به في وقت أدمنوا التبعية السياسية وهم فرحون بما لديهم من هذا الفريق أو ذاك .
إقرأ أيضا : فخامة الرئيس والأسئلة العارية!!
إن اللبنانيين بحاجة إلى وعي الإنتماء والهوية، وبحاجة إلى إحياء ثقافة الدولة ليعيشوا وطنيتهم وانتماءهم بعيدا عن أي خيارات أخرى لا تمتّ إلى وطنهم بصلة ولن يجدوا ذاتهم إلا في وطنهم ولو اتفقوا جميعا على خياراتهم الوطنية الصحيحة لاستطاعوا استعادة دولتهم وديمقراطيتهم من ايدي الأحزاب الطائفية، ولاستطاعوا أيضا أن يكونوا على قدر مسؤوليتهم الوطنية بعيدا عن أي خيارات أخرى أثبتت التجارب أنها أضاعت لبنان وأطاحت بالدولة نتيجة الصراعات الإقليمية والدولية ونتيجة صراعات وتبعية المحاور .
الشعب الاميركي انجز استحقاقه الانتخابي بجدارة ومسؤولية وأراد التغيير ونجح، وقد تابعنا كلبنانيين على مدى عدة أيام وكلنا أمل أن نستطيع نحن أيضا ان نحاول ولكن علينا أن نتحد أولا وأن نعيش انتماءنا الوطني ثانيا وعندها يمكننا العمل وفق هذه الآمال والتطلعات التي رأيناها لدى الشعب الأميركي.
إن استعادة دولة القانون والمؤسسات تحتاج لإرادة وطنية جامعة، وتحتاج لخطاب وحدوي جامع بعيدا عن كل الخلافات والمناكفات السياسية عندها فقط يمكننا أن نؤسس لاستعادة الدولة ونمارس حقنا في التغيير .