على الرغم من سعي الأفرقاء المعنيين إلى الحفاظ على الحد الأدنى من الأجواء الإيجابية التي ترافق تأليف الحكومة العتيدة، بات من الواضح أن هذه العملية تصطدم بالعديد من العراقيل، التي تؤكد أن القوى السياسية لا تزال عند الممارسات الماضية، لناحية إضاعة الوقت وإهدار الفرص مهما كان الثمن، بإنتظار تحسين شروطها وحصصها، بغض النظر عن الكوارث التي يعاني منها المواطن بشكل يومي.
تجمدت فجأة عجلة الاتصالات لتشكيل الحكومة بعد الزخم الذي شهدته الاسبوع قبل الماضي، السؤال الذي يفرض نفسه هل تعرضت الآلية التي اعتمدها الرئيس الحريري مع رئيس الجمهورية لانتكاسة؟ الثابت ان الاجتماعات الخمسة التي عقدت في بعبدا،كانت تحت عنوان الشراكة في التأليف وجهاً لوجه بين الرئيسين انفاذاً للنص الدستوري .المعلومات تتحدث عن حرص بعبدا على اعادة وصل ما انقطع بين الحريري وباسيل، ولكن على صعيد التأليف، وقبل الحكومة وليس بعدها وربما هذا الامر، اثر سلباً على الاندفاعة باتجاه التأليف .
بات الحريري أمام خيارين لا ثالث لهما إما التسليم بحكومة يتحكم فيها الفريق العوني ومن ورائه حزب الله ما يعني تجرع السم، أو الاعتذار عن متابعة المهمة، لأن بقاءه مكلَّفاً سيكون مكلِفاً أكثر.
مع عودة الفريق نفسه الذي يجيد اختلاق العراقيل والعقبات المصطنعة أمام الجهود التي يبذلها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، إلى استخدام الأسلوب نفسه بعدما كانت الرئاسة الأولى أشاعت أجواء إيجابية عن مسار عملية التأليف، بدا واضحاً أن هذا الفريق عاد وتراجع عن كل ما وعد الرئيس المكلف به، لناحية تقديم التسهيلات لتسريع الولادة.
في الإجابة عن هذه الأسئلة، لا ترى أوساط سياسية معارضة، إلا مزيداً من الإمعان من جانب فريق العهد وحزب الله في ضرب المؤسسات وشل البلد، من خلال محاصرة الرئيس الحريري بشروطها التي لم تتخل عنها منذ 2005، سعياً من أجل وضع اليد على البلد وتطويع المؤسسات لمصلحتها. وهذا ما يتبدى جلياً بتراجع هذا الفريق عن كل تعهداته للرئيس المكلف الذي كان يتوقع ولادة حكومته قبل موعد الانتخابات الاميركية، مشيرة إلى أن قوى الثامن من آذار استجابت لرغبة إيرانية واضحة بتأخير تأليف الحكومة، بانتظار نتيجة هذه الانتخابات، باعتبار أن الإيرانيين كانوا ولا يزالون يستخدمون لبنان ورقة مساومة في مفاوضاتهم مع الأميركيين والأوروبيين. وعلى هذا الأساس فإن المؤشرات توحي بأن لا حكومة في المدى المنظور، طالما أن هناك من وضع مصلحة إيران أمام مصلحة لبنان المعدم الغارق في مشكلاته وما اكثرها .
وفيما يتوقع عقد لقاء غداً بين الرئيسين عون والحريري، للبحث في مستجدات الوضع الحكومي بعد انحسار موجة التفاؤل التي سادت أكدت الأوساط أن حزب الله الذي يمسك بمفتاح تأليف الحكومة، ليس مستعداً لتسهيل الولادة ،تستبعد الأوساط حدوث خرق جدي في الجدار الحكومي.
إقرأ أيضا : تشكيل الحكومة يتراجع تحت ضغوط عقد مفتعلة
الانظار تتجه الى الاتي من الايام، والبعض يراهن على تمسك الرئيس الحريري، بانعاش حركة التواصل المباشر وغير المباشر بين بيت الوسطً والقصر الجمهوري، خصوصا وان الحريري فوجئ بما دخل على الخط من تعقيدات، هي في معظمها من جانب الذين يتلطون برئاسة الجمهورية،ولم يخفوا رغباتهم في تنفيذ التعامل بالمثل، ان في المداورة وان في توزيع الحقائب السيادية والخدماتية، خلافا لدعوة الحريري الى تشكيل حكومة اصحاب اختصاص من خارج الاطر الحزبية والسياسية .
يؤكد متابعون ان لعبة فرض الشروط والشروط المضادة، باتت مادة اساسية على طاولة التشكيل الحكومي ما جعل الرئيس الحريري يلتزم الصمت، والنظر بامعان الى المناورات الهادفة الى تطويعه وفرض حكومة خالية من جملة القواعد والاهداف التي كان وعد بها، والعمل على تشكيل حكومة بأوسع ما يمكن من الاكثرية الحاكمة والانظار تتجه الى اللقاء المقبل بين الرئيسين عون والحريري، والمفترض ان يصار الى وضع اسسس يتفق عليها فأما انفراج واما المزيد من اضاعة الوقت في المزايدات والمماحكات والعثرات رغم دعوة البطريرك الراعي المتكررة، الاطراف كافة الى وقف ضغوطهم على الرئيس الحريري، لكي يبادر مع رئيس الجمهورية الى اعلان حكومة تكون بمستوى التحديات والالتزامات، الداخلية والخارجية.
يتطلع اللبنانيون، الى ما ستؤول اليه الانتخابات الرئاسية الاميركية،والوقوف على هوية سيد البيت الابيض في واشنطن، لاربع سنوات مقبلة، بالغة الاهمية، وهي الدولة الاقدر في العالم، وقد عاد لبنان يحتل اهتماما لافتا من هذه الدولة وسائر اجهزتها، وهي التي ترعى مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان والكيان الاسرائيلي لينال لبنان حقوقه الطبيعية في ثرواته النفطية والغازية ويؤكد البعض ان احد اسباب تعثر ولادة الحكومة اللبنانية، موقوف على الانتخابات الرئاسية الاميركية .
في المحصّلة، على الرغم من أن الدول ليست جمعيات خيريّة تقدم خدمات مجانيّة، فإنّ أخطر ما في لعبةإضاعة الوقت، التي تحترفها القوى السياسية اللبنانية، هو الإنشغال الفرنسي بالأوضاع الداخليّة لديه، بعد أن كانت باريس تضع كل ثقلها لإنجاز تسوية محلّية، فلبنان اليوم لم يعد على رأس جدول أعمال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ما يعني أن المماطلة لن تقود إلا إلى المزيد من التعقيد.