مر الأسبوع الأول على تكليف الرئيس الحريري برئاسة حكومة هي الرابعة، فبماذا تتميز مفاوضات التأليف عن سابقاتها وهل بلغت مرحلة متقدمة كما تشي بذلك التسريبات . وفي هذا السياق، لا تخفي الأوساط توجسها من حصول أي انتكاسة في الأجواء الإيجابية الطاغية على مساعي التأليف في حال عودة الأمور إلى الاحتدام والتجاذب على طاولة تقاسم الحقائب تحت سقف المداورة خصوصاً في ظل ما يُحكى عن رفع التيار الوطني الحر تسعيرة تخليه عن حقيبة الطاقة والمقايضة عليها ، وكانت التسريبات استمرت عن توزيعة لبعض الحقائب الوزارية على الطوائف والقوى السياسية التي لم يتأكد منها شيء حتى الان، وسط زيارة قام بها الرئيس المكلف سعد الحريري الى قصر بعبدا عصر امس هي الرابعة له خلال ايام قليلة، حيث افادت معلومات رسمية من قصر بعبدا ان الرئيس عون استكمل مع الرئيس الحريري درس الملف الحكومي في اجواء من التقدم والتأني ما يعني ان البحث لا زال قائماً حول امور كثيرة لكنه يسير بوتيرة ايجابية الى حد كبير، لكن بقيت بعض القضايا عالقة لا سيما لجهة عدد الوزراء ،فيما الآمال معلقة على ان تبصرالحكومة النور في الذكرى الرابعة لتولي الرئيس ميشال عون سدة الرئاسة التي تصادف السبت المقبل في 31 تشرين اول .
يبدو أن الأمر الدولي قد صدر وما على السياسيين في لبنان إلا التوقيع مرغمين تحت تهديد سيف العقوبات الذي يتمدّد ليطال حلفاء حزب الله وليس الحزب لوحده، في حين أن الحذر يبقى واجباً وأي تفصيل صغير قد يطيّر كل الأجواء التفاؤلية.
تُغدق الوعود على اللبنانيين من أن الحكومة المنتظرة ستشكّل بوابة الحل الموعود، بينما الحقيقة أن هذه التركيبة الحاكمة كانت سبب الإنهيار المالي والإقتصادي الذي شهدته البلاد، إذ إن رحلة جنون الدولار بدأت خلال حكومة الرئيس سعد الحريري التي سقطت بفعل ثورة 17 تشرين ولا يبدو أن هناك من شيء يُعيد الدولار إلى معدلات طبيعية حتى لو نجح الحريري في مهمة التأليف.
وعدا عن الضغط الدولي، فان الإقتصاد بات يُشكّل هاجس اللبنانيين، إذ إن المسؤولين الدوليين الذين يتعاطون في الشأن اللبناني أبلغوا قادة البلاد بأن لا مساعدات من دون إصلاحات، ولن يحظى لبنان بدعم صندوق النقد الدولي طالما أنه لم يلتزم بالشروط التي يطالب بها الصندوق.
وكل ما يُحكى عن مساعدات غير مشروطة لا أساس له من الصحة، بل إن الإصلاحات وتحرير الدولة من هيمنة حزب الله هي أساس أي مساعدة مرتقبة للبلاد.
ويتفق القيمون على الوضع اللبناني في الخارج على أن الحكومة المرتقبة هي لتقطيع مرحلة وإن كانت حكومة تكنوقراط، إلا أنها لا تملك مفتاح الحلّ حتى لو حصلت شبه مداورة في الحقائب الأساسية باستثناء حقيبة المال التي حُسمت للشيعة، لكن الأساس يبقى في تطبيق البرنامج الإصلاحي.
في المحصلة فإن شبه الإتفاق الدولي الذي حصل حول تهدئة الأجواء اللبنانية ليس الحل المنتظر، بل إن الحل هو بحكومة تكنوقراط مستقلة تضع برنامجاً إصلاحياً، لأن الإستمرار في هدر الوقت وتأليف حكومات غير منتجة سيؤدي إلى مزيد من إرتفاع سعر الدولار وتوالي الإنهيارات الإقتصادية.
إقرأ أيضا : تأليف الحكومة على ضوء الشروط الداخلية والضغوط الخارجية
تفاءل الناس خيراً بما تم الترويج له عن حصر التفاهم حول تفاصيل التأليف بين الرئيسين عون والحريري علّ ذلك يختصر جلجلة الولادة الحكومية، ويقطع الطريق على الشروط والشروط المعاكسة، ويصرف شهية المستوزرين. ولكن أجواء التفاؤل كانت أشبه بحلم في ليلة صيف، سرعان ما كشفتها شمس الواقع السياسي المأزوم، والذي يسعى أطرافه للخروج من أزماتهم على حساب الوطن ومصالح هذا الشعب المقهور، لا أحد يريد أن يتسرع أهل الحل والربط بتشكيل حكومة بمن حضر، ولا بتركيب بازل وزاري دون رؤية، ولا إختيار الوزراء عشوائياً، لمجرد إرضاء بعض الأطراف السياسية، ولكن يدرك أهل السلطة، أكثر من غيرهم، أهمية الإسراع في التأليف، وضرورة الإستفادة من أجواء الدعم المتوفرة حالياً، والتي تبقى عرضة للتلاشي والتبدل، عند أول إشارة لتغير المعطيات الإنفتاحية، الإقليمية والدولية، ويكون قد أضاع لبنان فرصة أخرى للخروج من هذا النفق المظلم، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل سقوط السقف نهائياً فوق رؤوس الجميع .
في ظل ضعف الدولة اللبنانية وحالة الوهن التي تواجهها في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية والمالية الراهنة ،على ما يبدو تؤيد الولايات المتحدة جهود الرئيس سعد الحريري لتشكيل حكومة مستقلين في محاولة منها لإضعاف نفوذ حزب الله وهيمنته الكاملة على الوضع اللبناني في ظل عهد ميشال عون، وفي ظل حكومات اللون الواحد. لكن هذا لن يعني ان سلسلة العقوبات ضد الحزب وحلفائه ستتوقف، مع ترقب تشديد الضغوط على الحزب في الفترة التي تلي الانتخابات الأميركية. من المرجح ان يبقى حزب الله في خط التصويب الأميركي على إيران بحيث يجري تنسيق الجهود الأميركية والأوروبية مع حلفائهم داخل لبنان من أجل اضعاف الحزب داخلياً، وكذراع استراتيجية لإيران على مستوى المنطقة .
فتحت وطأة ملفات داخلية ثقيلة، ومفاوضات حدودية صعبة، وظروف إقليمية معقدة، ومرحلة انتقالية أميركية دفعت بالقوى السياسية إلى استعادة تموضعهم والحفاظ على أماكنهم، بانتظار أن تنجلي نتائج الانتخابات وتتضح صورة الإدارة الجديدة في البيت الأبيض. وبالتالي هناك سؤالان يفرضا نفسيهما على الواقع السياسي في البلاد هل اقتنع حزب الله أن إلباس الحريري حكومة شبيهة بحكومة حسان دياب سيعمق الحفرة التي سقط فيها لبنان، بعدما خاض التجربة خلافاً لنصيحة حليفه نبيه بري، وأضاع على البلد سنة كاملة أم أن عون وبعض محيطه اقتنعا أن فرصة إنقاذ السنتين الباقيتين من العهد مستحيلة، من دون حكومة بالمعايير التي يطرحها الحريري لعلها تجلب دعماً دولياً يجنبه السقوط الفرصة مقترنة بإنقاذ البلد، فإذا سقط هوى العهد معه.
الاجابة على ذلك تحمله تركيبة الحكومة. فإذا جاء إيجابياً تتوسع قاعدتها السياسية. وإذا جاء سلبياً يضمر مؤيدوها.وفي هذا السياق يخشى ديبلوماسي مطلع أن يكون الهدف من تكليف الحريري ملء الفراغ في الوقت الضائع وتمرير الانتخابات الاميركية، وبعد ذلك لكل حادث حديث.