وجه "تجمع العلماء المسلمين"، بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف وأسبوع الوحدة الإسلامية، رسالة للمسلمين في العالم عامة وللبنانيين خاصة، تلاها رئيس الهيئة الإدارية الشيخ الدكتور حسان عبد الله، وجاء فيها:
"تأتي علينا ذكرى المولد النبوي الشريف هذا العام والأمة الإسلامية تعاني من انتكاسات خطيرة، فمن جهة يقوم بعض الحكام العرب بالإعلان عن اعترافهم بالعدو الصهيوني وتطبيعهم للعلاقات معه، ومن جهة أخرى يسعى محور الشر الصهيوأميركي لنشر الفتن في أرجاء عالمنا الإسلامي، بل تعداها إلى العالم ككل، هذه الفتن تأخذ أشكالا مختلفة، فمن جهة هي فتنة طائفية ومن جهة أخرى مذهبية ومن جهة ثالثة قومية وعرقية، وأبشع ما في هذه النكسات هو قيام رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون بالإساءة إلى صاحب الذكرى محمد صلى الله عليه وآله وسلم عبر تشجيعه على رسم الكاريكاتورات المسيئة لهذه الشخصية التي هي خير خلق الله على الإطلاق.
إن هذا لا يعني إقرارنا للأسلوب الذي اعتمده أحد المتطرفين بقطع رأس من قام بعرض الصور المسيئة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إلا إننا وفي نفس الوقت نعتبر أن ما قام به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو رد فعل يشابه ما قام به هذا المتطرف، وهو تصرف لا عقلاني لأنه سيؤدي حتما إلى تصاعد العصبية، ما يجعلنا نشك بأن هذا الرد هو استكمال للمخطط الذي ابتدأ بنشر هذه الصور وصولا إلى فتنة كبيرة تعم كامل أوروبا بل العالم ولا تقتصر على فرنسا.
في نفس الوقت نعتبر أن الدعوات التكفيرية التي يعاد إحياؤها من جديد من بعض الغلاة من الشيعة والسنة هي محاولة جديدة لإيقاع فتنة بين المسلمين تشغلهم عن مواجهة مؤامرة التطبيع التي يعمل لها محور الشر الصهيوأميركي، لذا يجب التنبه إلى ذلك والدعوة من قبل علماء الدين الربانيين والمثقفين والقوى والأحزاب والشخصيات الإسلامية إلى الوحدة وتوجيه كل الجهود نحو إسقاط مؤامرة التطبيع ودعم نهج المقاومة الذي هو الحل الوحيد لكل مشاكلنا التي نعاني منها.
إن ذكرى المولد النبوي الشريف يجب أن تكون مدعاة لإعادة الاعتبار للدين الإسلامي باعتباره دينا وسطيا يسعى لهداية الآخرين إلى طريق الله عز وجل من دون أي إكراه. فالله عز وجل قال: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي). إن إحياء ذكرى المولد تكون بتحقيق رسالة النبي الذي قال عنه الله عز وجل: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). الدين الذي يشفق فيه المؤمن على من لم يهده الله إلى الإيمان ويتمنى له أن يهتدي للطريق القويم. لا أن تكون عدم هدايته سببا لقتله، وقد قال رسول الله (ص) للإمام علي (ع): "يا علي لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس".
إننا في تجمع العلماء المسلمين أمام هذه المناسبة الجليلة وبمناسبة أسبوع الوحدة الإسلامية ندعو إلى ما يلي:
أولا: نستنكر أشد الاستنكار الموقف الفرنسي الذي أعلنه الرئيس ماكرون ونعتبره وقاحة غير مقبولة وندعوه الى إعادة النظر بهذا الموقف لأنه سيؤدي إلى مشاكل لن تنجو منها فرنسا، وعليه مراعاة أن المسلمين الفرنسيين لهم حقوق على دولتهم أن لا يساء إلى مقدساتهم، كما أن حرية التعبير التي يتذرع بها لا تعني التعدي على الآخرين ولا تسمح بالشتم والإهانة، بل تدعو الى حرية التعبير عن الأفكار بمنطق وعقلانية واحترام لأراء الآخرين.
ثانيا: نستنكر ما أقدم عليه بعض من يتزي بزي الدين ليتهم بعض المسلمين بالكفر مدعيا بلا وجه حق أن هذا هو رأي الشيعة الذي يجمع علمائهم على أن كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله هو مسلم دمه وماله وعرضه محترم ومصان.
ثالثا: منذ أيام نبينا محمد (ص) وطرده اليهود من الجزيرة العربية وإلى يومنا هذا، يبقى اليهود الصهاينة أشد الناس عداوة للذين آمنوا، لذا فإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف يكون بإبقاء العدو الصهيوني على رأس أعداء أمتنا وأن نعلن أن لا عدو لنا في أمتنا سوى العدو الصهيوني والخلافات في الرأي يجب أن تبقى في دائرة العلماء والتي هي في حقيقتها اجتهادات يمكن الاستفادة منها لإغناء الدين لا لاقتتال المؤمنين.
رابعا: ما يدمي القلب أن بعض الدول العربية ذهبت باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني واستقبلت بعض اليهود الصهاينة في جزيرة العرب التي أخرجوا منها، وتتعاون معهم في مواجهة بعض أبناء الأمة وفي خيانة القضية الفلسطينية وهذا في حد ذاته خروج عن مفاهيم الدين الإسلامي وتعاليمه.
خامسا: ما ركز ديننا على شيء مثلما ركز على الدعوة لوحدة الأمة الإسلامية وقال الله عز وجل: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون). وقد ركز نبينا الأكرم (ص) على هذه الوحدة ونهانا عن الاقتتال فقال: " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض". لذا فإننا في تجمع العلماء المسلمين وكجمعية تضع الوحدة والاعتصام على رأس أولوياتها، ندعو الأمة علماء ومثقفين ودعاة وطلابا من كل المذاهب الإسلامية لخوض عمل موحد كل من موقعه من أجل رفعة الدين وإعادته إلى موقعه الريادي الذي كان عليه والذي لن يكون إلا من خلال الوسطية والوحدة الإسلامية.
سادسا: ندعو علماء الدين الإسلامي إلى تبيان الدين الإسلامي على حقيقته والتصدي للدعوات التكفيرية والتحريضية بأسلوب منطقي وأن تكون الدعوة منطلقة من الحكمة والموعظة الحسنة.
سابعا: ندعو الشباب المؤمن إلى عدم التطرف والرجوع إلى أهل العلم والتقوى من علماء الدين للسؤال عن شؤونهم وتوسعهم في معرفة أحكام الشريعة ومفاهيم الدين الإسلامي.
ثامنا: ندعو إلى الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة كي نوجه الشباب إلى ما ينفعهم، واستعمالها في تحفيز الشباب إلى الانخراط في عملية تبيان معالم الدين والإيمان والتقوى والبعد عن الانحراف.
تاسعا: نحذر الشباب المسلم من الحرب الناعمة التي يخوضها أعداء أمتنا محاولين إلهاء شبابنا عن دورهم الأساسي في صياغة مقاومة شعبية فكرية وعسكرية في وجه كل المحتلين لأرضنا وعلى رأسهم العدو الصهيوني".
وختم التجمع بيانه: "ندعو الله عز وجل أن يوفقنا لتحقيق الوحدة والإنخراط في المعركة الحقيقية مع العدو الحقيقي لأمتنا الذي هو العدو الصهيوني، خاصة أن تباشير النصر النهائي وزوال الكيان الصهيوني باتت قريبة، وأن نصلي جميعا في المسجد الأقصى بعد تحريره من رجس الصهاينة، وأن يرفع الله عز وجل البلاء عن أمتنا وينتهي هذا الوباء الذي انتشر في أرجاء العالم إنه سميع مجيب".