ما زالت موجات القلق والحذر تتلاعب بهواجس اللبنانيين من مغبة ومخاطر تضييع فرصة الإنقاذ المتاحة، رغم كل ما يشوبها من عورات، لأن التداعيات ستكون أقسى بكثير من الإستمرار في التلهي بمناورات المحاصصة، وتوزيع الحقائب، وقد تكون القاضية على ما تبقى من مقومات البلد .
لم تعد جرعات الأمل وحدها تكفي اللبنانيين بعد كلّ السمّ الذي تجرّعوه على مدى سنوات، فقد باتوا يخشون التفاؤل كي لا ينصدموا لاحقاً بواقع سيّئ. وإذا كانت بورصة التأليف توحي بأن ولادة عاجلة للحكومة العتيدة، إلا أن الخيبات الكثيرة التي تكررت طوال مسيرة تشكيل الحكومات في لبنان لا تسمح بتصديق تسريبات الغرف المغلقة إلى أن تصبح واقعاً.
الاوساط المتابعة لتأليف الحكومة تنقسم الى ثلاثة أفرقاء
فريق المتفائلين يؤكد انّ الحكومة ستعلن هذا الاسبوع، على ان تَمثل ببيانها الوزاري امام مجلس النواب الاسبوع المقبل لنيل الثقة.
فريق الواقعيين يقول انّ المطلوب من الرئيس المكلف الاجابة عن ثلاثة مطالب اساسية تتعلق بتمثيل التيار الوطني الحر وطريقة تسمية الوزراء، والخطة الفرنسية ومن ضمنها شروط صندوق النقد الدولي. فاذا جاءت ردوده ايجابية تعلن الحكومة، اما اذا جاءت معاكسة فسيطول مخاض الولادة الحكومية.
فريق يتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم يقول انّ الحكومة اذا لم تولد من اليوم وحتى الخميس المقبل، فإنّ الاستحقاق الحكومي سيدخل في نفق طويل.
وبحسب ما تكشف المعلومات فإن المشاورات تدور حول جعل الحكومة من عشرين وزيراً، وبينما هناك قوى عديدة تطالب بتكريس مبدأ المداورة في الحقائب، أصبح واضحاً ان هذه المداورة تستثني وزارة المال وحصة الثنائي الشيعي، هذا الأمر سيدفع قوى أخرى للمطالبة بحصتها.
إقرأ أيضا : تأليف الحكومة على ضوء الشروط الداخلية والضغوط الخارجية
تشير المعلومات الى ان خيار حكومة العشرين هو الذي يتقدم، بعد محاولة الحريري جعلها مصغرة من 14 وزير، فيما عون وحزب الله طالبا برفعها الى 24.
ولكن على الرغم من كل هذه التفاصيل، يصر الرئيس سعد الحريري على انجاز التشكيلة الحكومية سريعاً، وقبل الإنتخابات الأميركية، كي لا تذهب في دهاليز كثيرة محلية وخارجية على وقع الانتخابات الاميركية.
لا جديد سوى مزيد من بثّ الأجواء التفاؤلية حكومياً، والتي حتى الساعة لم يتم ترجمتها عملياً سوى في لقاءات متكررة بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، اللذين يصرّان على تعميم إيجابيات، دون أي تفاصيل، فيما يحيطان لقاءاتهما بغلاف من التكتم على أي تفاصيل أو تسريبات، فيما تؤكد مصادر سياسية مطلعة أن النقاش يدور حول عدد أعضاء الحكومة وتوزيع الحقائب.
المصادر نفت أن يكون الرئيس الحريري قد وافق على أن يقدم رؤساء الكتل أسماء ممثليهم في الحكومة، لأن ذلك مرفوض من قبله. فالخطة التي يجري العمل حولها هي أن تقترح الكتل ما لديها من أسماء، فيصار الى مناقشتها والاتفاق عليها، ثم اطلاع رئيس الجمهورية عليها لتزكيتها مع مراعاة المبدأ الطائفي أي ان تشكل الحكومة من عشرة وزراء مسيحيين وعشرة مسلمين. ورأت المصادر أن هذه الأمور ستتبلور هذا الأسبوع والذي قد تتكرر فيه اللقاءات بين الرئيسين عون والحريري.
وقد أشارت مصادر متابعة إلى أن الخلاف الحالي على توزيع الحقائب فرمل اندفاعة الرئيس المكلّف سعد الحريري، وهو ما جعله أكثر تكتّماً عما يواجهه من عقبات حتى يتمكن من حلّها. المصادر أبلغت أن الحريري الذي سلّم باعطاء وزارة المال للثنائي لمرة واحدة على أن تسري المداورة على كل الحقائب بما فيها الداخلية والخارجية والطاقة والصحة، تفاجأ بإصرار حزب الله أن تبقى وزارة الصحة من حصته، أي أن الثنائي متمسك بالمالية والصحة ما جعل رئيس الجمهورية ميشال عون يتمسك بالخارجية والطاقة، مقابل ابقاء الداخلية لتيار المستقبل، ما يعني استحالة تطبيق المداورة في الحقائب.
وقال مصدر مطلع أن الأجواء جيدة، لكن من غير الممكن التكهن بموعد صدور المراسيم، وإن بدا ان ثمة حرصاً رئاسياً، على ولادة الحكومة قبل نهاية الشهر الجاري أي يوم السبت المقبل، أو بداية الأسبوع الأوّل من تشرين الثاني وعليه فأن اغلب الظن ان مسألة تشكيل الحكومة لا تزال في مرحلة التشاؤل .
وعلى الرغم من ذلك، يبدو ان محاذير التفاؤل المشروع مشروعة استناداً إلى التجارب السابقة، ومحاولة رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل تبين دوره، فضلاً عن عودة الضغوط الخارجية إلى المسرح، انطلاقاً من تصنيف أميركي جديد لحزب الله بأنه يعادل التصنيف الأميركي لكل من القاعدة وجبهة النصرة وداعش ، بالإضافة إلى أنّ المعنيين في الإدارة الأميركية أبلغوا اللبنانيين ألا ينتظروا خطوات أميركية سريعة تجاه لبنان فور تشكيل الحكومة. لأنّ أميركا ستنظر إلى شكل الحكومة أوّلًا، وإلى بيانها الوزاري ثانيًا، وإلى مدى جدّية الحكومة الجديدة بمحاربة الفساد ووقف أنشطة التهريب عبر المطار والحدود والمرفأ قبل أن تقدّم أيّ دعمٍ أو مساعدة للبنان.