لاحظ المراقبون والمتابعون، غياب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله عن المشهد السياسي طيلة هذه الفترة السابقة بالرغم من أنها فترة حبلى بالأحداث الكبرى التي تصل إلى حد اعتبارها أحداثا مفصلية واستراتيجية كإعلان الرئيس بري الاتفاق على إطار التفاوض على ترسيم الحدود مع اسرائيل
فكانت المفاجأة الصادمة حين أطل بعدها السيد ولم يتناول هذا الموضوع الحساس أصلا واكتفى بمحاضرة دينية حول أربعينية الامام الحسين فقط، فيما كان الناس وبالأخص جمهور الحزب ينتظرون بحرارة مقاربة هذا الملف وما يحتويه من تفاصيل خطيرة ومتناقضة مع أدبيات ومرتكزات الحزب التاريخية كالإعتراف الواضح بإسرائيل وإطلاق صفة النزاهة على الوسيط الاميركي، وما ترافق مع الجولة الأولى من أجواء تطبيعية احتوتها تغريدات جبران باسيل بحديثة عن تفاهمات حول النفط والغاز مع اسرائيل متجاوزا بذلك موضوع الترسيم، وعززته بعده كلودين عون بتغريدتها أيضا عن السلام مع اسرائيل ليبدو أن "الترسيم" ما هو إلا مقدمة لتحولات كبرى بملف الصراع اللبناني الاسرائيلي !
يضاف إلى ملف الترسيم، موضوع إعادة تكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة وما يفسر ذلك من عودة لمنظومة المافيا الناهبة بالتكافل والتضامن ومباركة وتسهيل من الثنائي مما يوضح بما لا يترك مجالا للشك تموضع الحزب الى جانب الفاسدين والناهبين وتكذيبا واضحا لكل وعود محاربة الفساد.
هذه الملفات المهمة وغيرها تحصل والسيد بعيد عن الاضواء، وهذا ما فتح في المجال أمام تكهنات وتفسيرات عديدة عن تفسير هذا الغياب
إقرأ أيضا : حزب الله بعد الترسيم
فذهب بعضهم إلى اعتبار أن تحريك ملف الترسيم كان بقرار ايراني بالكامل، وأن السيد أجبر على الموافقة عليه بدون قناعة منه لا بالشكل ولا بالمضمون ولا حتى بالتوقيت، وأن السيد حاول جاهدا مع الايراني لدفش البت بهذا الملف الى ما بعد الانتخابات الاميركية، أولا حتى لا يعتبر كحلقة من حلقات الزحف العربي صوب التطبيع مع اسرائيل التي نراها هذه الايام والتي كان السودان آخرهم، وثانيا حتى لا يستفيد منها ترامب انتخابيا إلا أن الايراني لم يعر أذانا صاغية لرأي السيد وهذا ما أثار امتعاضا كبيرا لديه ترجم صمتا وغيابا
فيما اعتبر آخرون أن إرهاصات تسوية كبرى هي قيد الانجاز، واتفاقات إيرانية اميركية عربية تعمل على إعادة صياغة المشهد السياسي برمته في كل المنطقة، يحمل معه تحولات ضخمة، من مترتباتها وتردداتها الإستغناء عن أدوار ووجوه ما قبل التسوية منها وفي مقدمها السيد، ويحكى في هذا الصدد عن احتمال ترحيل السيد إلى إيران تحت حجة المعالجة بالبداية ليستقر بعدها في قم المقدسة ومتابعة نشاطه الحوزوي هناك فيما بعد.
هذا فيما يعتبر مقربون من الحزب أن غياب السيد هو لدواعي أمنية محضة، بسبب تقاطع الكثير من المعلومات الخاصة لديهم عن قرار اميركي – اسرائيلي بتصفية السيد جسديا على طريقة اغتيال قاسم سليماني، ولكن بأيدي اسرائيلية هذه المرة، وأن المناورات الاسرائيلية وتسميتها "بالسهم القاتل" هي لهذا الهدف، على أن يستعمل الاغتيال إن حصل من اجل رفع حظوظ ترامب عشية الانتخابات.
وعلى كلا التقديرات فإن ابتعاد السيد عن المشهد السياسي هذه الفترة يحمل الكثير من التساؤلات وعلامات التعجب، وأن الايام القلية القادمة سوف تكشف لنا إن كان غائبا أو مغيبا .