قد يكون العنوان غريبا أو خلاف ما هو متوقع، أو قد يقول قائل أنني أحاول هنا التخفيف من جو إحباط يجتاح الثورة والثوار، لأنه بحسب الظاهر فإن عودة الحريري إلى تشكيل حكومة جديدة بعد أن تم إسقاط حكومته الأخيرة على وقع أصوات الناس المنتفضة يجب أن يفسر وكأنه انتصار للسلطة وأحزابها وانكسار للثورة وليس العكس.
ولكن تعالوا لنرى المشهدية من زاوية أخرى أكثر وضوحا وبعيدة عن ردة الفعل المتسرعة والعاطفية وأن تتيح لنا التعمق أكثر بما يحصل.
أول القول هو أن من يعتقد أو كان يعتقد ان "الثورة د" بعامها الأول وبكل تحركاتها السلمية التي خاضتها على مدار العام وعلى امتداد الجغرافيا اللبنانية من أقصى الشمال إلى جنوب الجنوب يجب أن تكون محصلتها هي اقتلاع هذه المنظومة الديكتاتورية الطاغية المتحكمة بالبلاد والعباد، فهو حتما واهم واهم حتى ينقطع النفس،
ومن كان يعتقد أن هذه المافيا التي ارتكبت كل الموبقات بدون استثناء هي حاضرة للتنحي عن السلطة بمجرد أن الناس نزلت إلى الشارع وعبّرت عن رغبتها بالتغيير، وأن هذه المنظومة كما كل الطواغيت لن تستعمل لقمع التظاهرات كل الاساليب المتوفرة من التشويه الى حرق الخيم مرورا حتى الى القتل والاغتيال ووصولا الى البراميل المتفجرة اذا اقتضى الأمر فهو واهم واهم.
بعد هذه المقدمة البديهية، يمكن القول ببساطة أن عظمة الثورة واهميتها ودورها في هذه المرحلة إنما هو فضح هذه المافيا وتعريتها والقول للرأي العام المحلي والاقليمي والدولي أن في لبنان رأي عام رافض لسلوك هذه السلطة وراغب بالتغيير وأن بقاءها لا يعبّر بالضرورة عن رضى الناس بل وأن العكس هو الصحيح تماما مما يعني أن استمرارها بالسلطة هو استمرار غير شرعي ويكاد يكون وجودا مغتصبا للسلطة من أعلى الهرم الى أسفله، وبالتالي فإن سحب الستارة الشعبية هي ما فعلته وتفعله الثورة كمقدمة ضرورية لا بد منها، لإزاحتها عن مواقعها ولو بعد حين.
إقرأ أيضا : حزب الله بعد الترسيم
ومن هنا تحديدا يمكن أن نفهم الضرر الكبير الذي تخشاه السلطة من استمرار الثورة، حتى أنها تلجأ الى حرق القبضة فضلا عن القمع والاستدعاءات التي يتعرض لها الثوار.
بالعودة إلى تكليف سعد الحريري، والحكومة المرتقبة التي ينوي تشكيلها والتي بشرنا أنها ستكون نسخة طبق الأصل عن حكومته السابقة تحت مسمى "حكومة غير حزبية"، ويسمي وزرائها الأحزاب أنفسهم الذين أوصلوا البلد الى ما نحن عليه من انهيار( حكومة حسان دياب ثانية ).
إن تكليف الحريري مرة جديدة، هو اعتراف صارخ من أحزاب هذه السلطة، وفي مقدمها الثنائي الشيعي المتحكم انه اضعف وأوهن من اجتراح حلول سياسية للبلد، وان دوران الاحزاب حول أنفسهم وإعادة إنتاج لفشلهم إنما هو الدليل الأكبر على صوابية الثورة وشعاراتها وطروحاتها ورغبتها بالتغيير.
فإن انسداد الحلول امام هذه السلطة وعودتها إلى المربع الاول مع معرفتها المسبقة ان هذه العودة لن تقدم اي جديد على مستوى انقاذ البلد بل مع يقينها أن هذه العودة ستزيد الازمة تأزما والانهيار انهيارا وأنها لن تكسب إلا مزيدا من تضيع الوقت والفرص على اللبنانيين لمآرب في نفس الثنائي،
وهذا ما سوف يرفد الثورة في القادم من الايام بالمزيد من المنتسبين إليها، فلو افترضنا وجود بعض اتباع هذه الزعامات الذين لا زالوا يعتقدون أن زعاماتهم "التاريخية" و "العظيمة " و "المقدسة" إنما ينتظرون وحيا من السماء او إلهاما من وراء الغيب أو أن قدراتهم الخارقة سوف تنجيهم حتما من ذل ما نحن فيه، فإن هؤلاء المساكين سيكتشفون سريعا أنهم يعيشون في سراب وأن زعاماتهم الذين لا يزالون يظنون بهم خيرا ما هم الا شياطين لصوص وكاذبون، وهذا اهم ما تريد الثورة ان تنجزه كممر إجباري لاقتلاع هذه الطغمة الكاذبة .