نشهد هذه الايام ولادة "حزب الله" جديد، يختلف كليا عن الذي عرفناه طيلة سنوات ماضية، فالمراقب لمجريات الاحداث يكاد يكتشف سريعا أنه لم يتبق من الحزب القديم وشعاراته وأدبياته وسلوكه إلا الإسم فقط وقيادته طبعا.
فبقدرة قادر صار ترسيم الحدود مع اسرائيل، أمرا لا يخدش ثقافة الاعتراف الذي يعتبر ممرا إجباريا للتطبيع، وهنا تعيدنا الذاكرة الى مرحلة الثمانينات حيث كانت حركة أمل تطالب بتطبيق القرار الدولي 425 الذي ينص على انسحاب اسرائيل إلى الحدود الدولية، وكان الحزب يخوّن الحركة لأنها تعترف من خلال هذا القرار أن لاسرائيل حدود !!
وهذا ليس تفصيلا صغيرا بل هو واحد من التباين الفكري بين التنظيمين ساهم بالوصول بعد فترة وجيزة الى إندلاع حرب الاقليم الطاحنة بينهما
هذا فيما يتعلق بالغدة السرطانية ( اسرائيل ) التي كان يجب اقتلاعها من الجذور، وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر والصلاة الموعودة بالقدس.
واما فيما يتعلق بالشيطان الاكبر( اميركا ) التي كان "الموت" لها هو الخيار الوحيد المتاح، وإخراجها من غرب اسيا هو القصاص الادنى بعد إقدامها على قتل قاسم سليماني، نراها تحولت بقدرة قادر إلى وسيط نزيه ونرى "شينكرها" يجول ويصول في لبنان كأنه الولي الحميم !!
إقرأ أيضا : إنتصار الصورة وال B7
أمام ما تقدم وغيره الكثير، يتلمس المراقب أننا أمام " دنيو حزب الله"، على الاقل بما يتعلق بدوره الاقليمي وعلاقاته الخارجية بعد تخليه طوعا عن السبب الوجودي لقيامته كحزب مقاوم يتعاطى الشأن السياسي ( بحسب التعريف الرسمي للحزب )
هذا التحول الضخم لا بد يخلق تساؤلات بحجمه إن على مستوى القواعد الحزبية أو عند بقية الاطراف وكيفية التعاطي مع هذا الحزب الجديد، بالأخص عن الدور المرتقب له في القادم من الايام وعن مقدرة الحزب وبراغماتيته بخلق ديناميكية تساهم بخلق شعارات سياسية جديدة تنسجم مع حجم قواعده الشعبية وتساهم بالمحافظة عليها بعد خلع جلده القديم.
اعتقد أن أكثر ما يحتاجه الحزب بالمرحلة القادمة هو خلق عدو جديد، وتهديد جديد، فالحزب وجمهوره معه كما كل الحركات الاسلاموية لا يستطيع العيش بدون استنفار دائم، وبندقية حاضرة على الدوام وشهداء وشهادة وجهاد ومجاهدون فهذا هو ملعبهم الذي لا يجيدون اللعب خارجه وهذا غير متاح الآن بحسب كل المعطيات،
بالتالي، فإن أمام الحزب في المرحلة القادمة واحد من الخيارين لا اعتقد أن لهما ثالث، فإما العودة عن كل هذه الخطوات "التراجعية" مما يعني أن ما نحن فيه من تحوّل واضح، لا يعدو اكثر من مناورة لتمرير العاصفة الترامبية بأقل ضرر، وإلا فعلى الحزب وإوليائه في إيران الذهاب الى خطوات إصلاحية كبرى تنسجم وتتوافق مع هذا النيو حزب، من خلال تغيير اسم الحزب ومبناه العقائدي والثقافي، وصولا حتى لاستبدال أمينه العام وكل الصف الاول من كوادره، إذ لا يمكن الاستمرار والانتقال الى مرحلة جديدة بأدوات وآليات قديمة .... إلى أي الاحتمالين نحن ذاهبون؟
هذا ما سوف نكتشفه بعد الانتخابات الاميركية .