في جمهورية لبنان يتلاشى يوما بعد يوم مفهوم الدولة، وأصبح الدستور اللبناني شيئا يشبه الديكور أو بعض التحف القديمة التي عادة ما تكون للزينة أو للاستخدامات النادرة هذه التحف التي يتباهى أصحابها بشكلها أو بقيمتها.
هذا هو الدستور اللبناني اليوم يستخدم فقط كعدّة التجميل التي تسخدمها القحباء للمحافظة على ظاهرها وربما باطنها، وهو كذلك اليوم في البلد مع طبقة سياسية نادرة الوجود، عديمة الوطنية وعديمة المسؤولية وعديمة الإنسانية وعديمة الأخلاق.
يفسر الدستور حسب الاهواء وحسب المصالح وحسب الطوائف وحسب الرغبات فيصدّق هؤلاء الحثالة أنفسهم أنهم أصحاب الدستور وتطبيق القانون فيخرجون علينا كل يوم بمسرحية تافهة ورخيصة فيملأون الشاشات ووسائل الإعلام بمزيد من الكذب والخداع والمراوغة ليبقى البلد والمواطن ضحيتهم الدائمة والمستمرة كأبشع ما يكون شكل الضحية.
إقرأ أيضا : 17 تشرين ليست مجرد ذكرى!
خرج علينا منذ أيام سعد الحريري بإطلالة جديدة ليزيد اللبنانيين ما يشاء من النكد السياسي وليزيدنا وباء إلى وباء فيعلن ترشحه لرئاسة الحكومة، ويضيف إلى المشهد السياسي المقرف المزيد من القرف، وليقدم من جديد ورقة جديدة للعب السياسي المافياوي والميليشياوي، فيكسر برودة الرئيس ولا مبالاته ويكسر، ويجدد حماس الأحزاب وبلطجيتها السياسية فيكرر الجميع تفاهات ومواقف لا تسمن ولا تغني من جوع فيما البلد يسير إلى مزيد من الإنهيار والتردي على كل صعيد.
كل ما يجري يشبه الجريمة بحق الوطن، وكل ما يجري يشبه الإعتداء اليومي والسافر على الدستور الذي نص على إجراء استشارات أيا تكن نتائجها، ولكن الحريري المخلوع بفعل الثورة والإنتفاضة الشعبية منذ عام يعود اليوم ليرشحه نفسه ويجري الإستشارات بنفسه وقد يكلف نفسه إذا شاءت المنظومة السياسية نفسها ذلك، وإذا شاءت فرقة التطبيل المستحدثة المسماة نادي رؤساء الحكومات السابقين فيما الدستور اللبناني غائب كليا عن المشهد.
بماذا سيعود سعد الحريري وهو الرئيس المستقيل الذي أسقطته ثورة 17 تشرين، ما جديده؟ ما هي أوراقه الجديدة ما هي برامجه الجديدة ومشاريعه الجديدة؟
الجواب هو لا شي؟ ولم يتغير شي ولن يتغير شيء، لذا فنحن أمام تكرار المشهد نفسه والازمة نفسها، وبالتالي فإن عودة الحريري تشبه أصحابها ومؤيديها وإن الرهان على هذه العودة هو رهان على مزيد من الخراب الذي يعيشه البلد.
إقرأ أيضا : الطريق الى جهنم
إن التمسك بالحريري رئيسا من قبل هذه السلطة وأحزابها هو إمعان في سياسة الإنهيار واستمرار في تحدي اللبنانيين وخياراتهم ومطالبهم باستعادة الدولة وبنائها من جديد على مبدأ التغيير والإصلاح الحقيقي.
الحريري خرج والحريري دخل والبلد على حاله، والأزمة على حالها ولا جديد إلا مشاهد المأساة اليومية للبنانيين وآخرها الدواء الذي حرك مشاعر وزير الصحة ليستعرض الازمة اليوم مع مافيات الدواء بعد وقوع الكارثة التي تهدد حياة آلاف المرضى اللبنانيين وقد بإمكانه التصدي المسبق لشجع الشركات ومافيات الدواء لكنه لبنان الرهينة بأيدي أبشع سلطة منذ. ولادته.
إن سقوط الحريري المدوي وحكومته في الشارع هو يوم تاريخي للثورة والإنتفاضة المجيدة وهو إنجاز كبير ولذا فإن الثورة اليوم مدعوة من جديد وبالذكرى السنوية لانطلاقتها أن ترفض هذا الإبتزاز وهذا التحدي في الشارع في 17 تشرين المقبل .