لبنان اليوم على بعد أيام من ذكرى 17 تشرين هذا التاريخ الذي شكّل منعطفا جديدا في حياة اللبنانيين، وأسس لمرحلة جديدة من الوعي الشعبي، وأرسى منظومة وحركة شعبية واسعة قادرة على لجم السياسيين اللبنانيين ووضع حد لكل أشكال الكبرياء والتعالي الاقطاعي والحزبي وكل أشكال التقديس والتفقيس السياسي في لبنان.
في 17 تشرين 2019 انطلقت اولى الحركات الشعبية الاعتراضية الاحتجاجية في لبنان، وشكلت هذه الحركة بمسمياتها المختلفة حضورا شعبيا اعتراضيا هو الأول من نوعه في لبنان بعدما وصلت الأمور إلى منعطفات إجتماعية ومعيشية خطيرة سبّبتها السلطة وأحزابها فكان اللبنانيون أمام ضرورة الذهاب إلى الشارع كإنتفاضة شعبية واسعة وكإحتجاجات على السياسات المالية والاقتصادية وكإدانة للسياسيين وأحزاب السلطة كجهات مسؤولة عما وصل إليه البلد من التردي السياسي والانهيار المالي والاقتصادي.
إقرأ أيضا : الطريق الى جهنم
حققت انتفاضة 17 تشرين بعفويتها وصدقها جملة عناوين كانت كفيلة بتكريس واقع جديد وهو قوة الشارع التي كان لها التأثير الكبير على مجمل الحياة السياسية في لبنان منذ 17 تشرين 2019 وحتى اليوم، كما راكمت هذه التجربة الانصهار الوطني فتجاوزت بل كسرت في كل تحركاتها كل الحواجز الطائفية والمذهبية، كما كسرت صنمية الزعامات السياسية والحزبية والدينية فكان ثوار 17 تشرين اللبنة الأولى في إعادة تفعيل الإنتماء الوطني بعدما سعت السلطة وأحزابها إلى تفكيك المجتمع على أسس طائفية ومذهبية وحزبية مقيتة كانت سببا في كل أشكال التردي والإنهيار.
لبنان بعد 17 تشرين 2019 ليس كما قبله بالتأكيد، وساسيو اليوم وإن لم يسقطوا في 17 تشرين بفعل التركيبة اللبنانية إلا أنهم أصبحوا صغارا جدا، فقدوا قدسيتهم الطائفية والحزبية، فقدوا مصداقيتهم السياسية وفقدوا حضورهم وتأثيرهم على الشارع اللبناني إلى حد كبير بل إن كثيرا جدا من هؤلاء السياسيين بأحزابهم وكل انتماءاتهم وتياراتهم السياسية أصبحوا اليوم يتلطون خلف تحصيناتهم خوفا من هذه الثورة وامتداداتها وتأثيرها.
مع الذكرى السنوية لانتفاضة 17 تشرين تنطلق فعاليات عدة للعودة إلى الشارع بعدما تراكمت مفاعيل الإنهيار، وبعدما أساءت السلطة إلى كل الفرص التي كانت متاحة، وبعدما تجاوزت هذه السلطة آلام اللبنانيين بالمماطلة والتسويف خصوصا بعد زلزال الإنفجار في مرفأ بيروت، فإن الرهان يتجدد على الشارع كقوة أساسية في استعادة الحقوق واستعادة الدولة، وإن الرهان على هذه الثورة وهذه الإنتفاضة الشعبية كقوة وحركة واعية وواعدة تستطيع مجددا أن تفرض سلطة الشعب وقوته في إرادة التغيير نحو الاصلاح وبناء الدولة وفقا للدستور بما يؤدي إلى الاصلاحات السياسية والمالية ومن ضمنها محاسبة المسؤولين عما وصل إليه البلد .
إقرأ أيضا : الشيعية السياسية وخيارات الإنتحار
لم يبق في ميدان الدفاع عن الوطن إلا هذه الثورة وقد ذهبت السلطة بأحزابها وزعمائها وتياراتها إلى الاصطفافات في المحاور الخارجية وإلى الإمعان في سياسات الإهمال واللامبالاة بحق الشعب، ولذا فإن الطريق الوحيد لاستعادة لبنان اليوم هو استمرار هذه الانتفاضة وأن تفرض من جديد هيبتها وسطوتها لأن لغة الشارع هي اللغة الوحيدة التي تخافها السلطة .
العودة إلى الشارع في 17 تشرين مسؤولية وطنية مع انعدام كل السبل لمعالجة الوضع القائم، والمسؤولية كبيرة وعلى الشعب أن يستعيد حقوقه ويستعيد وطنه ولا ينبغي أن تكون الساحات في 17 تشرين للاحتفال فقط بل يجب وضع أهداف ومطالب محددة وواضحة والضغط بشتى الوسائل باتجاه تحقيق هذه المطالب.