لم يستفق اللبنانيون بعد من هول الصدمة عليهم حين أقدم الرئيس المكلف مصطفى أديب على الإعتذار عن مهمة تأليف الحكومة الجديدة، حتى جاء في اليوم التالي المؤتمر الصحفي الذي عقدهُ الرئيس الفرنسي ماكرون، وفضح فيه بعض مخازي الطبقة السياسية الفاسدة( ودائماً حزب الله هو حربة هذه الطبقة)، عندما وعدهُ أقطابُها بتسهيل تأليف حكومة إنقاذية وإصلاحيّة، ونقضوا وعدهم كما كان مُتوقّعاً، وإذ يرى الرئيس ماكرون أن لا مفرّ من التهدئة والإحتكام للنّصاب السياسي،خشية الوقوع في دهاليز الحرب الأهلية ومصائبها، ( وهذا من حقّه ومشروعٌ ومُبرّر)، أعلن استمرار مُبادرته الإصلاحية، والتي يمكن وصفها " بالخيريّة"، ذلك أنّ السياسات "الخبيثة" لا تقتاتُ إلاّ من النوايا الحسنة، ومن ثمّ ضرب ماكرون موعداً آخر لتنفيذ المبادرة الفرنسية أقصاهُ نهاية تشرين الأول القادم، وهذا عمليّاً يُفضي إلى تاريخ الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي يمكن أن تُعجّل باتفاق أميركي إيراني، قد يحمل حلولاً شافية للمنطقة العربية، ومن ضمنها لبنان بالطبع.
إقرأ أيضا : من مصطفى أديب إلى عُييْنة بن حُصن وتُهمة الارتداد
خلال هذا الوقت المُستقطع، والذي سيضيع هباءً كما ضاع غيره، وكما أُحبِطت محاولاتٍ عدّة سابقة لانتشال الوضع اللبناني الشاذ من مآزقه الخطرة، يحقُّ لنا أن نضع حُسن النوايا جانباً، وأن نتساءل مع كثيرين بالطبع: من أين سيأتي الرئيس الفرنسي بدفعٍ إضافيِّ لمُبادرته الأصلية، علّها تصل إلى برّ الأمان، وكيف سيأمن من شطَط " السياسيّين" وبطش "الميليشيات" الذين وأدوا مبادرته الأولى، وأرغموا الرئيس المكلف مصطفى أديب على الإعتذار، أو لعلّ الرئيس الفرنسي ما زال على طِيب نواياه مُصرّاً على انتقال حزب الله من "التّرهيب" بالسلاح إلى الخيار" السياسي الديمقراطي"، وهو يعود بنا بالذاكرة إلى مائة سنة مضت، عندما وقف جنديٌ سنغالي( يعمل ضمن الوحدات العسكرية الفرنسية) على برميلٍ في ساحة البرج في وسط مدينة بيروت، مُخاطباً جمهرة الساحة بقوله: Moi- civilisey- vous. اي انا أعمل على تحضيركم.
الرئيس الفرنسي يقول لقوى المقاومة والممانعة: أنا اليوم على خُطى ذاك الجندي السنغالي الطّيب الذكر: إنّما أُحاولُ تحضيركم، أو أفشل فأُعذَر.