من المواقف الطريفة التي حصلت لي في زمن كورونا أنني عندما حاولتُ تناول شيء ما، نسيتُ تمامًا أنني أضع كمامة واصطدم الطعام بـ «جدارها العازل». ذلك أنني لم أتعوّد بعد على «الخرس الوقائي» وهذا «التجنّب المنظّم» بين البشر، حتى عندما أقول كلمات مواقفي.
خاصيّة أشترك فيها مع أحد أبطالي الذي عندما لم يستطع تحمّل ربطة العنق لأنه لم يعتدها، خلعها. فحسدته لأنني كنتُ عكسه لا يمكنني خلع كمامتي.. !
ومن المواقف المُحزنة أنني قرأتُ أن 3 سيدات مدرسات أصغرهن في الخامسة والعشرين قد تعرضن لسكتة قلبيّة مفاجئة أمام تلاميذهن والسبب ارتدائهن للكمامة طوال الوقت داخل الفصل ولفرط التحدث بها، فالكمامة تمنع تدريجيًّا التنفس وترد إلى الجسم ثاني أكسيد الكربون بما يجعل المرء يختنق مع مرور الوقت، لا سيما في الأماكن المغلقة. وبدوري، كاد يغمى عليّ خلال إجرائي للامتحان وأضعت تماما تركيزي ذلك أنني لا أستطيع الكتابة في صمت، وأحتاج إلى وشوشة داخلية مع نفسي غالبا!
لا رغبة لي في كتابة مقال محزن ولا لأحول وجهة المقال وقوفا على أحزان السيدة كورونا، بل لأواجهها بقليل من التهكم.
إنه زمن الكمامات، أو بالأحرى زمن التسوّق الوقائي.. فماذا تفضلون؟
بعد الآن.. لا جدوى من إهدار أموالكم لدى الحلاقين وتسوية اللحي بالنسبة إلى الرجال، ولا لشراء أقلام الزينة الفموية بالنسبة إلى النساء. فكورونا تتحول إلى ماركة تجارية عالمية ولم تعدْ محض وباء. الآن هناك الكمامات الرياضية والمفلترة، وثمة الكمامات الموضة التي تحمل شعارك المفضل أو علامة فريقك سواءً أكان فريق برشالونة أو ريال مدريد أو بيارن ميونخ أو ليفربول أو جوفانتوس، أوالأخرى النسائية المزودة بخيوط ملونة متدلية مصنوعة من ديور وغيرها من الشركات التي تتنافس في صنع أجمل التصاميم، وبإمكانك إن كنت لا تملك ثمنها أن تلجأ إلى الخياطين الذين بإمكانهم أن يفاصلوا لك كمامة عادية. أما كوكب اليابان، فقد اخترع طبعا كمامات ذكية وأخرى ضوئية بإمكانها مساعدتك في التنفس بارياحية وتجديد الهواء دون خوف، ووجدتُ أن بعضها مزودة بشاحن ويصل سعرها إلى أكثر من 100 دولار، الأمر الذي جعلني أقلق وأجزم بأن هذا الوباء سيستمر طويلا مادامت هناك سوق بأكملها تفتحُ بسببه، أولها في أنماط وأنواع هذه الكمامات وآخرها في طرق الوقائية منه، وصحيح أن هذا الوباء قد مسّ في بدء انتشاره على الاقتصاد العالمي لكنه الآن يصبح تدريجيا قوة اقتصادية لبعض الدول، مذ فتح هذه السوق وربطها بالانترنت حتى أن أحد التقنيين قد علق قائلًا: «لقد أثبت فيروس كورونا أن الانترنت هي أقوى سوق في العالم» فالعالم يدار الآن من الشاشات وأصبح لكل شيء ساعي إيصال. وغدًا كذلك ستكبر هذه السوق وتنتشر عندما سيصدر اللقاح أيضا!
هل توقف أحدكم ليسأل ممَّ نخاف تحديدًا؟
قد يكون الخوف من الوباء بالنسبة إلى الغربيين هو الخوف الأكبر الذي يواجهونه منذ سنوات، أما في عالمنا العربي فيكاد الخوف يصبح منّا لفرط تعايشه معنا يوميا. ففي كل فترة من حياتنا (تدربنا على الموت) بطريقة مختلفة كلما كبرنا. تعايشنا مع أكثر الحروب شراسة وتفجيرًا وخضنا أفظع المعارك التي جعلتنا نغادرها أنصاف أشلاء ومُقعَدي حرب، وهرمنا لاحقا مع أكثر الثورات تطرفا حيث الخوف اليومي والترويع والتخريب عادة يومية بامتياز... فماذا تبقى لكورونا أن تضيفه من خوف و نحن نعيش كل هذه الأخطار معًا !
كورونا.. والمضحكات المبكيات!
خلال الحجر، رصدتُ أطرف الخدمات وأكثرها ذكاءً على الإطلاق، إحداها شركة قرأت إسمها على إحدى الصفحات، بإمكان مندوبيها أن يتحدثوا معك ويخففوا عنك مللك البيتي بقص النكات ومساعدتك في الحصول على برنامج سجني يومي تتأقلم معه في جُحرك الذي تهاب الخروج منه خوفًا من إرهابي عالمي لم ينجح أحد في القبض عليه وإعادته إلى المختبر، تماما كما كنا نشاهد ونحن أطفال تلك الفيروسات التي تغزو الشوارع ويعود بها الخارقون إلى المختبرات التي فرت منها بالخطأ وهاهو الأمر يغدو حقيقة ولا بمقدور أحد السيطرة عليها.
ومن الأخبار العاطفية الطريفة قرأت أن إحداهن قد تخلت عن حبيبها بعدما سمعت بأنه قد أصيب ليتبين لاحقا أنها المصابة دون أن تدري، وثمة من الأطباء، من أعلن خطوبته من داخل غرفة العناية المركزة، ومن المثير للاستغراب في نفس الوقت الإصرار على الزواج في هذا الوقت تحديدًا وحضور الناس الأعراس بشكل قد يساهم في نشر العدوى، حيث يرى البعض أن الوباء يقلل من تكاليف المراسم الاحتفالية في غياب كثيرين !
نحن نسيرُ إلى زمن التقنين العالمي من خلال هذه اللّجام المسيطرة علينا، وتسلبنا أبسط حرياتنا، ومصادرة حقنا في الكلام، وهاهو العالم العربي يزداد خرسا على خرسه الأبديّ مع هذه الكمامات وأصبح يشاهد كل ما يجري حوله دون أن يتكلم أو يحتجّ هذه المرة حقا، بعدما أصبح الأمن الفردي داخل المجموعة أهم لديه من أمن المجموعة نفسها، وأصبح التأمين على الحياة الفردية تحديًا في حد ذاته للمجموعة في معركة جديدة من معارك البقاء !
محمد الخزامي