تحت عنوان: "الكل يريد أن يخرج منتصرا في تشكيل الحكومة.. حتى إيمانويل ماكرون!"، كتب غسان ريفي في "سفير الشمال": فتح الرئيس سعد الحريري طريقا فرعيا لتمرير تشكيل الحكومة العتيدة، بعدما أُغلقت كل الطرقات الرئيسية أمامها بفعل الشروط والشروط المضادة، لكن هذا الطريق ما يزال يحتاج الى تأهيل وتعبيد من حساب "وزارة المالية"، لتمكين الرئيس المكلف مصطفى أديب من العبور عليه الى السراي الحكومي التي تنتظر حكومة إختصاصيين حقيقية لتحل بديلا عن الحكومة المقنعة التي تصرّف الأعمال.
لا شك في أن مبادرة الحريري التي تشير المعلومات الى أنها جاءت بتنسيق مع الرئيس إيمانويل ماكرون الذي وعد بالاسراع في الافراج عن جزء من قروض مؤتمر سيدر، وغرد فيها خارج سرب رؤساء الحكومات الذين أعلنوا أنها "شخصية وأنهم غير ملزمين بها"، قد أعادت خلط الأوراق ودفعت كل فريق الى مراجعة حساباته إستعدادا لهجوم مضاد يضمن من خلاله مكتسباته ويحافظ على صلاحياته.
بالرغم من الانفراج الحذر الذي ترافق مع طرح الحريري لمبادرته بإعطاء وزارة المالية في حكومة مصطفى أديب للشيعة ولمرة واحدة فقط، إلا أنها ما تزال تحتاج الى عملية تنقية من السلبيات التي رافقتها وإنعكست على الجهات المعنية بها، وفي مقدمتها "الثنائي الشيعي" الذي ما يزال يدرس المبادرة ويتعمق في ما بين سطورها، ويرفض أن تكون عبارة عن "مكرمة" من الحريري.
وإن كان "الثنائي" قد أعطى إشارات إيجابية محدودة عبر بعض المصادر لكنه ما يزال يتريث للوصول الى الاخراج الملائم خصوصا أن مبادرة الحريري تناولت وزارة المالية فقط، في حين كان مطلب الثنائي تسمية كل الوزراء الشيعة، فهل يكتفي بالمالية ويتجه الى إعداد لائحة من عشرة أسماء يقدمها الى الرئيس المكلف ليختار إسما منها كما تحدثت بعض المصادر، أم يتمسك بكل السلة التي يريد؟. أم أن موافقته رهن بنجاح الفرنسيين في إقناع الأميركيين بالتوقف عن إصدار العقوبات؟.
كذلك، هل تفتح تسمية الثنائي الشيعي لوزير المالية، شهية تيارات سياسية أخرى لمعاملتها بالمثل وتسمية بعض وزرائها طالما أن مبدأ المداورة قد سقط؟.
يبدو واضحا أن المبادرة وتعاطي الثنائي الشيعي معها قد أحرجتا رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف مصطفى أديب على حد سواء، فسارع الأول الى التذكير عبر بيان رئاسي بأنه "شريك أساسي بموجب الدستور، ما يعني من دون أي اجتهاد او اختزال او تطاول على صلاحيات دستورية، ان رئيس الجمهورية معنيّ بالمباشر بتشكيل الحكومة وباصدار مرسوم التشكيل بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلّف".
في حين جدد الثاني إلتزامه بالثوابت التي أطلقها في أن تكون "الحكومة من ذوي الاختصاص واصحاب الكفاءة القادرين على نيل ثقة الداخل كما المجتمعين العربي والدولي"، وذلك في رد مزدوج وناعم على الحريري وعلى الثنائي الشيعي من دون الاتجاه الى رفع السقوف حماية للجهود المبذولة من أجل تشكيل الحكومة.
وجاء إتصال الرئيس نجيب ميقاتي بالرئيس المكلف ليشد من عضده يؤكد على صلاحياته، وليعيد تصويب البوصلة وذلك من خلال "دعمه للجهود التي يبذلها، بعيدا عن الاعتبارات الضيقة، بما يؤدي الى تحقيق هذا الهدف وفق اولوية الحفاظ على الدستور كونه صمام امان البلد".
يمكن القول، إن الكل مأزوم، لكن في الوقت نفسه الكل يريد أن يخرج منتصرا أو أن يخفف من خسائره بدءا من الحريري الذي يواجه غضب الشارع السني على مبادرته، مرورا بـ"الثنائي الشيعي" الذي تعتبر موافقته نوعا من التراجع، وصولا الى العهد وتياره السياسي الذي يريد الحفاظ على أضعف الايمان من المكتسبات، والرئيس المكلف الذي يريد أن يحكم أو أن يعتذر، ولعل الأكثر سعيا وراء الانتصار هو الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يبدو أنه لن يترك وسيلة من أجل إنجاح مبادرته!..