منذ أعوام والمجتهد اللُّبناني السَّيد عليّ الأمين يتعرض لحملة، تقودها القوى التي يستفزها المشروع الوطني، آخرها تقديم دعوى مِن قِبل مخبرين(18/9/2020)، والتي تأجل النظر فيها إلى (15/12/2020)، استفز خطاب الأمين هذه القوى، بمقولته: «حزب الله لا يمثل شيعة لبنان، وإيران لا تمثل كلّ شيعة العالم»، مثلما استفزتها «وصايا» الشَّيخ محمد مهدي شمس الدِّين(ت2001)، وهو كُتيب سجله قبل أسبوعين مِن وفاته، يعادل مجلدات مِن النصوص والخُطب، لتركيزه على القضية الوطنية للشيعة ببلدانهم، وبعدهم عن مشاريع الحاكمية الدُّوَليّة(الوصايا، النَّهار: 2002)، مِن دُرر«الوصايا»:«تجربة الشّيعة اللبنانيين»، و«إلغاء الطَّائفية السِّياسية في لبنان»، أقول: لو كان شمس الدِّين حيَّاً، ويرى اندفاع الميليشيا، وباسم الشِّيعة، تحتل بيروت(7/5/2008)، هل سيكون له موقف مغاير لما وقفه الأمين حينها؟!
كانت نتيجة الاستقواء بالسَّلاح والشّعارات، قتل (71) لبنانياً، وإثر ذلك وبتواطؤ المجلس الإسلامي، الذي مِن المفروض أن يكون بعيداً عن الميول الحزبية، أُقيل مفتي صور للطائفة الشيعية عليّ الأمين، وصودر بيته وأُجبر تحت سلاح ميليشيا «أمل» نيابة عن «حزب الله» على ترك صُور، لكنَّ عندما كانت «أمل» في حرب مع «حزب الله»، وهما يُسميان الآن بـ«الثّنائي الشّيعي»، ظهر نبيه بري مدافعاً عن الأمين، أما الآن فصار شريكاً في تقديم دعوى كيدية ضده..
بعد أنَّ كُفت يد الميليشيا ببيروت عن الاغتيال المباشر، تحول كيدها إلى استخدام المحاكم، واستعمال الإعلاميين، لذا قام خمسة إعلاميين، مِن العاملين في قناة«العالم» الإيرانيَّة بتوكيل محامٍ، ورد في ما اعتبروه دعوى: «جرائم تحقير الشَّعائر الدّينية والوطنيّة، والمس بحرمة الشُّهداء، واختلاق الجرائم، وتحقير رموز الدَّولة، وإثارة النعرات الطائفية، والحض على النّزاع بين الطَّوائف، ومختلف عناصر الأمة، ودس الدسائس والفتن، والحض على الاعتداء على أمن الدَّولة، والقدح والذَّم والتعاون مع العدو الإسرائيلي»(الرسالة المقدمة).
نعم، بات خطاب التّسامح والتنوير، وتهذيب ما سماه محامي المخبرين بتحقير الشَّعائر، ومقولة «التفكير لا التكفير»، و«السُّنَّة والشِّيعة أمة واحدة، والمذاهب ليست قدراً إنما مدارس»، فتنة طائفية، وإثارة نزاع بين الطَّوائف! أما عن التعامل مع «العدو الإسرائيلي»، فالسؤال إلى المخبرين العاملين في قناة «العالم»، هل الأمين هو الذي اشترى سلاحاً مِن إسرائيل في الثمانينيات مثلاً؟! وهل شراء السِّلاح خارج التَّعاون، كي يؤخذ على الأمين حضوره مؤتمراً، ومع السَّفير اللبناني نفسه جريمةً؟! لماذا هذا النِّفاق والدَّجل؟!
لو تقصينا تجارب اضطهاد أصحاب الصَّوت المعتدل، وباسم الدِّين قديماً وحديثاً، ومَن انتهى بالقتل ومَن واجه التَّكفير، فعلي الأَمين ليس آخرهم بالتأكيد، ومازال الاستحواذ باسم الدِّين قائماً، فلا ينتهي الكيد وضد الفقهاء أنفسهم، ومِن أين نبدأ هل مِن قصة المفسر والمؤرخ الطَّبري(ت310هـ) مع جماعة رئيس الحنابلة الحسن البربهاري(ت329هجرية)، وننتهي بالمرجع الإمامي محمد كاظم شريعتمداري(ت1985)، والمرجع محمد طاهر الخاقاني(ت1985) وغيرهما العشرات، مع ولاية الفقيه؟!
أقول: ليس الإعلاميون الخمسة طرفاً في ما يحصل ضد الأمين، إنما هؤلاء مجرد أدوات، فالعمامة الحزبية والولائية هي صاحبة الدَّعوة، بعد أنْ مُسِكْت يدها عن الاغتيال المفضوح، فراحت تُمارس الاغتيال بالتَّشهير، واختلاق المثالب لمَن يخالفها، نعم، يحصل هذا عندما يغدو الباطل حقَّاً والقاتل شهيداً مقدساً، والضَّحية مجرماً! إن الحزبية العابرة للأوطان، التي يقف ضدها الأمين، مشاريع دماء لا حدود لها، يقول عيسى بن موسى العباسي (ت167هجرية) ما يعبر به، ويتوقعه أهل الاعتدال مِن أمثال صاحب العِمامة السّوداء الأمين: «بَدت ليَّ أماراتٌ مِن الغَدرِ شُمتها/أظنُّ رَوَاياها ستُمطركم دماً»(المُرزَباني، معجم الشُّعراء)، لقد مَطرت الأوطان وستمطُرها دماءً.
رشيد الخيّون