كتب منير الربيع في "المدن": نجح حزب الله بـ"تطويع" الفرنسيين وليّ ذراعهم. وقد لا تأبه الحسابات الفرنسية لهذا كلّه. فما يهمها تثبيت نفوذها في لبنان. وطوال يوم الخميس 17 أيلول الجاري، كانت المحاولات الفرنسية حثيثة مع رؤساء الحكومة السابقين، لإقناعهم بالتنازل والرضى بتشكيل حكومة تؤول فيها وزارة المالية للثنائي الشيعي، على أن تعتمد صيغة توافقية حول الاسم.
في دوامة حزب الله
في السياسة، التنازل الأول هو التنازل المتتابع والمستمر. فبمجرد أن تنازل الفرنسيون عن مهلة يوم الإثنين الفائت، انفتح باب التنازل، واستمر مساره. تمكن حزب الله من أخذ المبادرة الفرنسية رهينة، ولعب ورقة حرص باريس على عدم الفشل، وذهب إلى أقصى موقف تصعيدي. فيما كان الفرنسيون يبحثون تمرير الحكومة ونيل رضى رؤساء الحكومة السابقين. وكانت كتلة الوفاء للمقاومة تعلن موقفاً تصعيدياً ومثبتاً ما يريده الحزب: لا تنازل عن اختيار وزراء الطائفة الشيعية. ودفع القبول الفرنسي بطرح حزب الله، الديبلوماسية المصرية الداعمة للمبادرة الفرنسية، إلى رفض تعديلها، ووقفت إلى جانب رؤساء الحكومة السابقين.
والموقف الفرنسي دفع رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب إلى تليين موقفه، فأكد أنه لا يريد تشكيل حكومة تستثني أي طرف. ما يعني أنه منفتح على النقاش مع حزب الله. وعقد اجتماعاً مع الخليلين. وبدأت لعبة حزب الله تتضح أكثر فأكثر، وبدأ يستعيد زمام المبادرة. بعدما كان أصيب بالحرج منذ يوم الأحد وحتى مساء الأربعاء. وبعد عدم ممانعة باريس نيل الشيعة وزارة المال، قفز الحزب فوق الإحراج، وبدأ يستعيد الإمساك باللعبة. قال الخليلان لأديب بشكل واضح: الجميع يعلم في لبنان أنه لا يمكن تشكيل حكومة تستثني حزب الله وحركة أمل، وها هم الفرنسيون قد سلّموا بذلك، ورؤساء الحكومة السابقون لن يتمكنوا من إنجاح مهمتك، ولا من تشكيل حكومتك. أما فنحن فنمتلك القوة والأكثرية، وقادرون بالتعاون مع الفرنسيين ورئيس الجمهورية والحلفاء على إيصالك.
ونصح الخليلان أديب بعدم الاعتذار، وهو حتماً لا يريد أن يخسر فرصته. بعد اللقاء توجه إلى بعبدا بنية تأجيل الاعتذار، علماً أن أجواء رؤساء الحكومة السابقين كانت تفيد بأنه يتجه إلى الاعتذار. قال أديب إنه تريث قليلاً، وعون نصحه بذلك أيضاً.
رؤساء الحكومة السابقون يؤكدون أنهم لن يتراجعوا. وفي حال حرص فرنسا على موقفهم، وفي ظل حسم حزب الله عدم استعداده للتنازل، ستكون المبادرة الفرنسية أمام خطر محتم.
خيار آخر قيد البحث، ويحاول حزب الله تكريسه، كرد منه للاعتبار، وإثباتاً لقوته وحضوره، ورده الصاع صاعين لرؤساء الحكومة السابقين: تركيب اتفاق مع مصطفى أديب، رئيس الجمهورية، رئيس مجلس النواب نبيه برّي والفرنسيين، وتشكيل حكومة. وإذا استخدمت بوجهه ورقة الميثاقية، يمكنه القول إنه ذهب إلى تقديم حكومة يوم الإثنين الفائت، من دون مراعاة الميثاقية الشيعية ولا المسيحية. ولكن هل يجرؤ أديب على ذلك؟ السؤال صعب جداً. والإجابة عليه أصعب.
عقوبات أميركا والسعودية
وفي خضم كل هذه التجاذبات جاءت العقوبات الأميركية الجديدة، فشملت حزب الله وإيرانيين. لكن في متن القرار وضوح أميركي لمسار العقوبات، من خلال الإشارة إلى أن سياسيين لبنانيين استغلوا مواقعهم لتمرير صفقات الفساد خدمةً لحزب الله.
وهذه رسالة ضد الحزب وضد المبادرة الفرنسية والتطببع الفرنسي مع حزب الله. ورسالة إلى حلفاء الحزب ومن يريد تقديم تنازلات له، بأنه سيكون مشمولاً بعقوبات جديدة ومستقبلية. لا يمكن استسهال الموقف الأميركي ولا الموقف السعودي أيضاً.
لم يعد من المجدي الحديث عن مهل زمنية. لقد جرى تجاوزها أكثر من مرة. الحكومة سقطت قبل أن تولد، تشكيلها على النحو المطروح يعني أنها ستكون نسخة عن حكومة حسان دياب، تتجاذبها قوى سياسية وتوجهات مختلفة ومتعارضة. سواء اعتذر أديب أم شكل حكومته، أصبحت المسألة في مكان آخر تماماً: مزيد من تصعيد حزب الله، والإصرار على تكريس مبدأ "ميثاقية" وزارة المال في أي حكومة لاحقة.
إذا، مزيد من التداعيات السياسية السيئة، ومزيد من التصعيد الأميركي.