يتتبّع الوسط السياسي غليان الشارع بحذر شديد، وفي الوقت نفسه يترقّب بقلق الايام المتبقية للرئيس المكلف مصطفى أديب لتقديم تشكيلته الحكومية النهائية الى رئيس الجمهورية. وفي المقلب الآخر يراقب الخارج الأداء السياسي المطلوب من المعنيين، ويراهن على ما تبقى من وعي سياسي ووطني لدى الأفرقاء السياسيين الفاعلين والمهيمنين على القرار في لبنان.
تؤكد مصادر ديبلوماسية لـ»الجمهورية» انّ عقد مؤتمر دولي في باريس حول لبنان في النصف الثاني من تشرين الاول المقبل يفرض تأليف حكومة توحي بالثقة، وتبدأ فوراً بإجراءات وإصلاحات قصيرة المدى.
وتضيف هذه المصادر انّ فرنسا «ملتزمة جداً» مساعدة لبنان، وانّ الرئيس ايمانويل ماكرون استنفر قصر الاليزيه ووزارة الخارجية والاستخبارات الخارجية، والسلطات المالية والمصرف المركزي الفرنسي، وجمعية الصداقة البرلمانية، وذلك في إطار خريطة طريق لمنع انهيار لبنان. ومع ذلك، لا يمكن كل هذه المؤسسات أن تحلّ مكان لبنان وتجري الإصلاحات نيابة عن بلد صديق له سيادته وقيادته ومؤسساته. وبالتالي، يجب أن يؤدي كل طرف دوره، وعلى لبنان ان لا يتأخر بما عليه للافادة من الدعم الفرنسي، لأنّ الوقت أصبح داهماً جداً والوضع في لبنان خطير جداً.
وتكشفت المصادر إيّاها انّ فرنسا لن تقبل أيّ شكل من أشكال التحايل على مبادرة ماكرون او الالتفاف عليها أو إجهاضها، خصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب المنصرم، وترى انه يجب ان يتوقف التفسير الخاطئ للمبادرة والاستثمار السياسي عليها لحسابات داخلية صغيرة، سواء في تأليف الحكومة او سواه، لأنّ المهم اليوم هو الوقوف الى جانب الشعب اللبناني لمنع زوال لبنان.
وتشير المصادر الى انّ الجهات المعنية في باريس أبلغت الى مسؤولين لبنانيين كباراً أن لا علاقة لفرنسا ولا تأثير لها في العقوبات الاميركية الاخيرة على وزيرين لبنانيين سابقين، وقد نصحت بعدم التعامل سلباً مع هذه المسألة لجهة عرقلة تأليف الحكومة لأنّ الخاسر الوحيد سيكون لبنان وشعبه الذي يستحق اقتناص الفرصة الاخيرة المتاحة لإنقاذه.
وتلفت المصادر الى أنّ خريطة الطريق الفرنسية تتضمن الحاجة إلى إحراز تقدم سريع بعد نيل الحكومة الثقة، خصوصاً في المواضيع التي تتعلق بنحو مباشر أو غير مباشر بالقطاع المصرفي، وأبرزها:
- إقرار قانون الـ»كابيتال كونترول» سريعاً جداً للحفاظ على رأس المال داخل لبنان.
- الإصلاحات الهيكلية والقصيرة الأجل الضرورية لبرنامج صندوق النقد الدولي، وخصوصاً في المجالات الخلافية الآتية: الكهرباء والنقل والجمارك...
- إعادة هيكلة القطاع المالي ومعالجة قضايا الديون والقطاع المصرفي.
- إعادة هيكلة الديون سواء التي منها بالدولار الأميركي أو بالليرة اللبنانية، لأنّه من الضروري اعتماد الحل الدائم لأزمة المالية العامة العميقة.
- الحاجة إلى الاتفاق على الأرقام المالية ومواصلة المناقشات لتحسين الوضع على المدى الطويل.
- إطلاق التدقيق المحاسبي في حسابات مصرف لبنان ما يعطي إشارة مشجعة.
وتشدّد المصادر الديبلوماسية على أنّ كثيرين سيعتمدون على الحكومة الجديدة والخطوات الاصلاحية الكبيرة والجريئة التي ستخطوها، خصوصاً أنّ صندوق النقد الدولي والمانحين الاوروبيين والدوليين يريدون الاطمئنان الى انّ الإصلاحات ستكون جدية وواضحة في كل القطاعات، ولا سيما منها الإصلاحات ذات الأولوية: الكهرباء، النفايات، ضبط الحدود، الجمارك) وإعادة هيكلة كافية للديون اللبنانية.
وتضيف المصادر أنّ لبنان في حاجة إلى قطاع مالي يتّسِم بالكفاية وبإمكانات كافية ولا يجوز في أيّ شكل تحطيم القطاع المصرفي، بل يجب العمل سريعاً على طمأنة المودعين. وبالتالي، فإنّ باريس ترى انّ طرح «جمعية مصارف لبنان» إنشاء صندوق لاستثمار نحو مليار متر مربع من اراضي الدولة اللبنانية ومؤسسات استثمارية، فكرة جيدة جداً.
وتجزم المصادر بأنّ القطاع المصرفي يعتبر لاعباً أساسياً في تعافي البلاد، وهو يحظى بدعم كامل وثابت من فرنسا للسير في درب الإصلاحات، وبالتالي تنوي فرنسا أن تؤدي دور المرافق والميسر، لكنها لن تتجاوز ذلك؛ ويجب أن تكون مساهمة المصارف في حل الأزمة وورشة الإنقاذ جزءاً من مجموعة الإجراءات المقبولة سياسياً واجتماعياً.