لم يبقَ من المهلة الفرنسية لتأليف الحكومة العتيدة سوى أيام معدودات، فيما بَدا انّ هذا الاستحقاق الحكومي الدستوري دخل في دوّامة التعقيدات والعقبات التي تتوالى من كل حدب وصوب لتشيع في البلاد مناخاً تشاؤمياً، أو أقلّه تمديد المهلة المحددة للتأليف أياماً إضافية ربما تصل حتى نهاية الاسبوع المقبل، أو أكثر.
رشح من الاتصالات انّ الرئيس المكلّف مصطفى اديب كان ينوي ان يزور رئيس الجمهورية ميشال عون اليوم حاملاً تشكيلة وزارية من 14 وزيراً اختار أسماؤهم بنفسه من دون تشاور مُسبق لا مع الرئيس ولا مع الافرقاء السياسيين، ما كان سيعرّض هذه الخطوة للفشل، لكنّ معلومات أفادت أنه بعد زيارة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الخاطفة لباريس بتكليف رئاسي واجتماعه مع مدير المخابرات الفرنسية برنارد ايميه (الذي كان قد شَغل منصب سفير لبلاده في لبنان سابقاً)، تلقّى أديب نصيحة فرنسية بتأخير خطوته هذه وإجراء المشاورات اللازمة مع المعنيين لإعداد تشكيلة وزارية تحظى بقبول الجميع، خصوصاً أنّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كان قد طرح خلال زيارتيه الأخيرتين لبيروت تشكيل «حكومة وحدة وطنية» أو حكومة «يدعمها» الأفرقاء السياسيون.
وبحسب معنيين بالتأليف الحكومي، فإنّ أي اتفاق لم يحصل بعد بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية أو بينه وبين الافرقاء المعنيين لا على عدد أعضاء الحكومة ولا على المداورة ولا على توزيع الحقائب، ولا على من يسمّي الوزراء. فأديب يصرّ على حكومة من 14 وزيراً يسمّيهم هو شخصياً ويكونون غير سياسيين، كذلك يصرّ على المداورة في كل الحقائب السيادية والاساسية بما فيها وزارة المال التي يتمسّك الثنائي الشيعي على أن تبقى من حصته لأسباب ميثاقية حسبما اتّفق في اجتماعات الطائف عام 1989، التي أنتجت وثيقة الوفاق الوطني المعروفة بـ»اتفاق الطائف»، بحيث تسند عرفاً على أن تُسند الى الطائفة الشيعية لزوم أن يكون التوقيع الشيعي من متطلبات التوازن في السلطة الذي أرساه ذلك الاتفاق.
وتفيد المعلومات أنّ الثنائي الشيعي كان ولا يزال متمسّكاً بحقيبة وزارة المال، ويصرّ على ان تكون خارج أيّ مداورة في توزيع الحقائب الاخرى السيادية أو الأساسية. كما أنّ «حزب الله» أبلغ الى الرئيس المكلف أنه يتمسّك بوزارة الصحة في حال عدم التوافق على المداورة، ولكن إذا أُريد لهذه المداورة فإنه يريد أن تكون وزارة الزراعة من حصته، علماً أنّ الثنائي أبلغ الى أديب أيضاً أنه هو من يسمّي وزراءه وليس لأيّ جهة أخرى صلاحية تسمية هؤلاء.
على أنّ بعض المعنيين بالتأليف يقولون إنه في حال زار أديب القصر الجمهوري اليوم حاملاً تشكيلة وزارية من 14 وزيراً أعدّها شخصياً بمعزل عن آراء الآخرين، فإنّ الجميع سينتظر كيف سيتصرف عون في ضوء حقه الدستوري بالتَشارك والرئيس المكلّف في إعداد التشكيلة الوزارية، لأنّ الرئيس المكلّف في حال تَفرّده بهذه الخطوة إنما يكون قد خالفَ الدستور الذي يُلزمه بأن يتشاور ورئيس الجمهورية في هذا الصدد. كما أنّ خطوة لأديب من هذا النوع، في حال حصولها، ستطرح سؤالاً آخر عمّا سيكون عليه تصرّف الثنائي الشيعي.
ويجزم معنيون بالتأليف في أنّ أديب، وفي حال إعداده تشكيلته الوزارية بمعزل عن رأي رئيس الجمهورية والافرقاء السياسيين الآخرين، فإنّ هذه التشكيلة لن تبصر النور لأنها لن تتمكن من نيل ثقة الاكثرية النيابية المطلوبة. فـ»التيار الوطني الحر (26 نائباً) أعلن أنه لن يشارك في الحكومة وسيُضاف اليه (27 نائباً) للثنائي الشيعي، واللقاء التشاوري (5 نواب) وتيار «المردة» (4 نواب)، يضاف اليهم 8 نواب مستقيلين ( وربما نواب «اللقاء الديموقراطي» الذي أعلن انه لن يشارك في الحكومة). وبالتالي، لن تتوافر في هذه الحال الأكثرية المطلقة لنيل الحكومة الثقة. ولذلك يستبعد هؤلاء أن يُقدم أديب على مثل هذه الخطوة، بل إنه سيراجع حساباته ويعمل على إعداد التشكيلة الوزارية بالتفاهم مع عون والأفرقاء السياسيين الآخرين، أللهمّ إلّا اذا أصرّ على إعدادها بنفسه مُمهداً الطريق للخروج من دائرة التكليف والتأليف. لكنّ هؤلاء المعنيين بالتأليف يستبعدون اعتذار أديب أو ذهابه الى تشكيل حكومة لا تنال الثقة، ما يعني أنّ أبواب المشاورات ما تزال مشرّعة للتوَصّل الى اتفاق على الحكومة العتيدة، خصوصاً أنّ الإدارة الفرنسية تضغط في هذا الاتجاه وتريد للأجندة التي أعدّتها لحلّ الأزمة اللبنانية الوصول الى خواتيمها التي يفترض بماكرون أن يتوّجَها بزيارته الثالثة للبنان مطلع كانون الاول المقبل، وذلك بعد أن تكون الحكومة قد تألّفت ونالت الثقة النيابية، وشَرعت في تنفيذ الاصلاحات التي طلبها المجتمع الدولي، بدءاً بقطاع الكهرباء والتدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان، على أن يتخللها المؤتمر الدولي الذي سترعاه باريس بشِقّيه السياسي المتعلّق بالأزمة السياسية اللبنانية، والاقتصادي المتعلق بالأزمة المالية والاقتصادية، والذي سينعقد منتصف تشرين الاول المقبل.
أمّا بالنسبة الى العقوبات التي قررت الادارة الاميركية فرضها على حلفاء «حزب الله» بادِئة بالوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، فإنّ المُستهدفين بها يدرجونها، على رغم تَنغيصها التأليف الحكومي، في إطار ضغط سياسي على لبنان لكي يستجيب للشروط الاسرائيلية في ترسيم الحدود البحرية والبرية، وهي ضغوط تحاول واشنطن توظيفها في الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب استعداداً لانتخابات 9 تشرين الثاني المقبل.