في الوقت الذي تنشغل فيه الطبقة السياسية بموضوع تشكيل الحكومة ، استحوذ قرار العقوبات الأميركية على الوزيرين السابقين، يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل، على صدارة المشهد السياسي اللبناني، متقدماً على الاهتمام العام بموضوع تشكيل الحكومة، والتي باتت بالتأكيد تحت وطأة القرار الأميركي، بعد أن كانت أولى ردود الفعل إعلان كتلة التنمية والتحرير تمسّكها بوزارة المال رداً على العقوبات التي اتت في لحظة بالغة الدقة والحساسية .
وفي الوقت الذي تشير المعلومات المتوافرة إلى حزمة جديدة من العقوبات مرجحة الأسبوع المقبل، ستطال أكثر من شخصية لبنانية داعمة لحزب الله، فإن تساؤلات عديدة طرحت عن توقيت إصدار هذه العقوبات غير المسبوقة بحق سياسيين، في ظل مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الإنقاذية التي تريد إخراج لبنان من أزماته الاقتصادية والمالية. وفي هذا السياق يسارع الرئيس المكلف مصطفى أديب ويحث الخطى من أجل تجاوز العقبات التي تعترض مهمته، لتأليف الحكومة وفق المعايير التي وضعها عند تكليفه . فأي تداعيات محتملة لهذه العقوبات على مشاورات التأليف وكيف سيرد الثنائي الشيعي والحلفاء على هذا الاستهداف الأميركي النوعي وأي رسالة تريد واشنطن إرسالها إلى هذا الفريق وفي هذا التوقيت تجديداً.
بعض الاوساط السياسية المراقبة رأت أن الرسالة التي أرادت واشنطن إرسالها في هذه اللحظة بالذات، هي القول بأن المبادرة الفرنسية لحل الأزمة الحكومية لا تعني مطلقاً رفع العقوبات أو الحصار عن حزب الله وأن مسار التهدئة الحكومية المالية لا يعني أبداً، أنه يمكن تخفيف الضغط على الفريق السياسي الذي يتحمل مسؤولية إثارة القلاقل على مستوى المنطقة. وبالتالي فإن الإدارة الأميركية أرادت أن تقول لكل من له علاقة ارتباط بحزب الله، أنه مهدد وأن مصيره على مستوى السلطة أيضاً مهدد، الأمر الذي يفرض على هذه القوى أن تختار ما بين أن تكون على لائحة عقوبات تمنع عليها أن تكون في أي موقع سياسي، ويمنع عليها السفر إلى الخارج، ما سيعرضها لمشكلات عديدة، أن رسالة العقوبات الأميركية، تشكل بداية تفكيك منظومة حزب الله، باعتبار الأخير منظومة متكاملة تجمع القوى التي توفر له الغطاء السياسي، إضافة إلى منظومته العسكرية والأمنية. وهذه هي أول رسالة من نوعها على هذا المستوى، باعتبار أن الرسائل السابقة كانت تتصل برجال أعمال وأشخاص غير معروفين، في حين أنها المرة الأولى التي يرفعها مستواها باتجاه سياسي، ما يعتبر تصعيداً كبيراً باتجاه كل فريق الثامن من آذار والعهد، بعدما جرى استهداف الرئيس بري والنائب السابق فرنجية، مؤكدة أن هناك تكاملاً بين الأميركيين والأوروبيين، بعدما بدا واضحاً أن واشنطن نجحت في دفع الدول الأوروبية تباعاً باتجاه تصنيف حزب الله بأنه منظمة إرهابية، وهذا المسار لن يتوقف وسيتعمم ويتوسع.
إقرأ أيضا : عودة نغمة الثلث المعطل وأديب يلوّح بالاعتذار
فإذا كان هناك قرار دولي بعدم سقوط لبنان في مستنقع الفوضى والحرب، فهذا لا يعني إطلاقاً إعطاء فرصة للمنظومة التي تصنف إرهابية من جانب المجتمع الدولي .
الاوساط المراقبة تقلل من الانعكاسات السلبية على مسار تشكيل الحكومة وترى انها مسألة تأكيد للمؤكد لناحية ضرورة تشكيل حكومة خارج أي تزوير لهذه المنظومة، ما يعني حتماً ألا يكون هناك أي نفوذ له علاقة بقوى الثامن من آذار، وأن تكون حكومة اختصاصيين مستقلين وحيادية، وبالتالي أي خروج عن هذا التوجه، سيؤدي إلى عزل الحكومة التي ستشكل، وسيكون مصيرها كمصير حكومة حسان دياب. ويمكن القول أن لبنان دخل في مرحلة جديدة، ولا مصلحة أساساً لأحد أن يرد برفض تأييد هذه الحكومة، لأن الرئيس الفرنسي قد يسحب مبادرته إذا شعر أن هناك من يحاول الالتفاف عليها، في ظل غليان شعبي وأزمة مالية وحصار خارجي، ما يجعلها بحاجة إلى هذه المبادرة من أجل أن يستطيع إنقاذ نفسه.
وفي المواقف العربية، وفي اول موقف من نوعه بعد تكليف اديب، تمنت الخارجية السعودية ان يستعيد لبنان عافيته بعيدا عن الميليشيات الطائفية والتدخلات الخارجية .
وفي موقف أممي ، غرّد المنسق الخاص للامين العام للامم المتحدة يان كوبيش على حسابه عبر تويتر يجب ألا يسمح لبنان بأن يساء استغلاله عبر استخدامه كمنصة لشن اعمال او خطابات عدوانية من اي جزء من اراضيه. اضاف لبنان يحتاج اكثر من اي وقت مضى الى الاستقرار من اجل الاصلاح واعادة الاعمار والعناية بأهله وباللاجئين، وليس الى الاستفزازات او التهديد بأشعال الصراعات .
كما جدد مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد شينكر التأكيد ان ثمة اختلافا بسيطا بين نظرة ادارته وبين الحكومة الفرنسية، معتبراً ان حزب الله منظمة إرهابية ويصادف أنها تشارك في السياسة اللبنانية وتُرهب الكثير من الأطراف السياسية في لبنان، لكنها منظمة إرهابية، ونختلف في آرائنا هذه مع الحكومة الفرنسية .
من مصلحة الجميع اليوم الإسراع في تشكيل الحكومة التي سيكون الدافع لها أكبر مع مضي الوقت المحدد لها العقوبات التي فرضت على لبنان منذ مدة، ليست سوى فصل صغير في الأزمة الاقتصادية القائمة في ظل تدهور مرير نحو الهاوية. وهناك من يربط المسألة الاقتصادية في لبنان برمتها بالسياسة الدولية الضاغطة على هذا البلد . أن لبنان إنتقل اليوم بعد تفجير المرفأ في 4 آب الماضي الى مرحلة الاعتماد على المساعدات الخارجية ما يعني أن لبنان سيكون عرضة للضغوطات الدولية أكثر من أي وقت مضى .