منذ اللحظة الاولى على إدراج الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، على لائحة العقوبات الأميركية دأب كل من حركة أمل وتيار المردة ومن خلفهما وأمامهما حزب الله، للتركيز فقط على الجانب السياسي للموضوع واعتبار أن العقوبات الاميركية لهما، ولمن يمثلون إنما هي بسبب مواقفهم السياسية المؤيدة والداعمة " للمقاومة ".
وعلى هذا الاساس عمد إعلام الحزب بكل طاقاته إلى اعتبار هذه العقوبات وسام شرف يعلق على صدور الوزيرين !!
صحيح من المسلم به أن لهذه العقوبات شقها السياسي وهو الاولوية عند الادارة الاميركية، يبقى أن التغاضي المقصود والمدروس عن الشق المتعلق بالفساد الذي جاء بحيثيات قرار العقوبات، غير بريء وانما يدلل عن عمق الازمة الاخلاقية التي قد تتسبب بها هذه العقوبات، بالاخص عند حزب الله وجمهوره،
هذا الجمهور الذي ما برح يبرر لقيادة الحزب الذي إنما خاض انتخاباته النيابية الاخيرة على شعار أساسي هو محاربة الفساد، بأن عجز الحزب وتلكؤه عن خوضه غمار وعوده "الصادقة " وتنفيذها على أرض الواقع انما هو لأسباب تتعلق مرة "بوحدة الطائفة " والمقصود هنا طبعا "الطائفة الشيعية" كإيحاء دائم بأن مواجهة "حركة امل" وفساد وزرائها وحتى فساد رئيسها، سيسبب حتما بحسب الدعاية الحزبية الى إراقة الدماء "الشيعية" في القرى والدساكر وبالتالي فإن الأولوية الآن هي الحفاظ على الوحدة المزعومة وليس لمحاربة فساد الحركة!
هذا الجمهور البسيط، الذي انتخب بنفسه النائب علي حسن خليل في دائرة الجنوب الثالثة واعطاه أصواته بتكليف شرعي مبني بشكل أساسي على فكرة بثها الحزب يومها بين قواعده تقول بأن "السيد" قد فرض على "الاستاذ " منهجية جديدة قائمة على وقف الفساد وعلى وقف النهب والسرقة من المال العام، وهذه القاعدة سوف تسري بعد الانتخابات، وطبعا هي تشمل بالاضافة لحركة أمل، كل الحلفاء المتورطين بالفساد الذي لا ينقاش به أصغر عنصر بالحزب فضلا عن كل الشعب اللبناني.
هذا الجمهور المسكين الذي صوت للفاسدين، تراه اليوم مصدوما مدهوشا بأن كل ما قيل له إنما هو مجرد "وعود انتخابية" لا أساس لها ولا حقيقة، بل والعكس تماما هو الصحيح، فالوزير علي حسن خليل صاحب القصور والاراضي والرشاوى ( كما صرح رئيس الجمهورية شخصيا ) والساعات بآلاف الدولارات، إنما يقوم بكل ما يقوم به، بالتنسيق والتكافل والتضامن والرضى من قيادة الحزب، بل وأكثر من ذلك فإن فساد هذا الوزير وصفقاته انما هي واحدة من مصادر التمويل للحزب بحسب ما جاء بحيثيات قرار العقوبات.
كنا إلى ما قبل صدور العقوبات كما شريحة كبيرة من الجمهور نعتقد أن المعادلة التي تحكم علاقة الحزب بمافيا الحكم هي أن يسكت عن فسادهم مقابل سكوته عن سلاحه !! وأن حماية الحزب ودفاعه المستميت عنهم هو بسبب حاجته للغطاء السياسي فقط، وما كنا نعتقد البتة أنه شريك فعلي وله حصته من صفقاتهم وسمسراتهم وسرقاتهم !!
لطالما سمعنا عبر أصوات معادية لحزب الله عن مصادر تمويل مالي يعتمدها الحزب ولا تمت إلى الاخلاق وإلى" التدين" بصلة من امثال شبكات مخدرات في فنزويلا وجنوب أميركا، أو عن شبكات تبيض أموال وتزوير عملات، وكنا نعتقد أن كل هذا يندرج تحت عنوان "تشويه صورة" الحزب، وحتى نحن المعارصون لم نكن نصدق هذه المقولات ونضعها تحت خانت الافتراءات !!
اما وقد كشفت العقوبات الاميركية الاخيرة عمق العلاقة المالية مع الفساد والفاسدين، وأن الحزب يعتمد سياسة تحييد وزرائه المحسوبين عليه مباشرة عن شائبة التورط بالفساد فيما هو نفسه لا يمانع بل يدعم ويجهز ويضع وزراء فاسدون من الخفاء ليتشارك معهم الغنم من دون أن يناله غرم الاتهام، فهذا يجعلنا أمام مرحلة جديدة نصدق كل ما يقال وما قيل .