لله أمر هذا السيد، كيف استطاع أن يستسيغ الصعاب بلذة الجهد والجهاد والمجاهدة، وأراد غسل أدران التعصب وعار الحرمان عن جبين البلد الذي عشقه وأحبه، والمسلوب عن معنى المواطنة والمواطنية، الآتي من نظافة العمة والجبة وطهارة النفس والكفين، حاملاً وصايا الأنبياء وعصا موسى، وآيات الرحمن، يبلَّغ رسالة السماء، لا يخشى في الله لومة لآئم، ولا أحداً، إلاَّ الله، وكفى به حسيباً، غمامة مطر، وسحابة سماء إلى كل مواطن في هذا البلد. ومضيت، تردد من أن تعدد الطوائف إذا كان يشكل عازلاً أو ضعفاً، فلا شك عندك، من أن التعدد أيضاً يشكل خطراً على لبنان، لأنك أعلنت من أن التعدد الذي يؤدي إلى تبادل المعارف والتجارب والحضارات فإنه نعمة ويشكل قوة للوطن، سيدٌ ثاقب الفكر والنظر، متمعِّن الرؤى والرؤية، من أن الخطر ليس في تعدد الطوائف، بل أن يتحول إلى السلبية، وأنَّ الطائفية ليست مبدأ مشكوراً في الأديان، لأن الأديان لا تدعو إلى السلبية، والطائفية في لبنان هي عقدة العقد، لأنها تشكل سلبية في الوطن، لأنك لا تريد أن يحوِّلها آلهة الطوائف والأحزاب إلى آفة، وبعداً سياسياً وظائفياً، لأنك من المؤمنين بجوهر الطائفية التي حملتها في نقاوتك أرثاً وطنياً وقومياً وإرثاً فكرياً سماوياً كمشعل من مشاعل كربلاء الحسين، ورفضت أن نحملها رافعة للمناصب والسياسات الحزبية والطائفية، بل نحملها كمشهدية تمر بها الأيام من استئثار في الوظيفة والمنصب، ومن احتكار في قوت الفقراء، ونعلنها ثورة على السارقين والناهبين لمقدارت البلد، فالمشكلة ليس في الجوهر، وإنما في النفوس المريضة والشهوات الشيطانية، من أن نحول هذه المآسي إلى استغلال من أجل الحفاظ على الفئوية الحزبية الطائفية، فنحوِّل الوطن إلى أحزاب، وكل حزب يتعصب لأفكاره ولمشروعه، فهذا التعصُّب يؤدي إلى السلبية والشك، ولا فرق عند: موسى الصدر، بين الطوائف والأحزاب التي تكنَّ نفس الروح، بحسب أقوالك.
إقرأ أيضا: بغالهم وبغالنا
فالدولة في فكر موسى الصدر، أن تكون سماوية لا دولة دينية، فإذا كانت الدولة تمثِّل مصالح الأقلية، فهذا ظلم للأكثرية، وإذا كانت الدولة تمثِّل الأكثرية فما هي مصائر الأقلية؟؟. فكنت تقول: الدولة يجب أن تمثِّل مصالح جميع أبنائه بلا استثناء، ولا تمثل مصالح الأكثرية والأقلية،بل يجب أن تترفع،أي تقترب إلى السماء،أي تكون بعيدة عن الحزب والطائفة والفئة. موسى الصدر، فقيه جريء، وموقف قلَّما نجده في أدبيات الفقه، من أن أمثاله يدعو إلى مدنية الدولة لا دينيتها، إلى فصل الدين عن الدولة، والروحي عن الزمني... مع الدولة بشريعة واحدة، بالمساواة على جميع المستويات في الحقوق والواجبات دون أي تمييز..
مع دولة الكفاءة، وتكافؤ الفرص للجميع وبحسب الكفاءات.. موسى الصدر، شيعي حسيني كربلائي، من أجل المحروم والمظلوم، هو ماروني الآتي من وديان الخشوع ونشيد الدمع وأرض الفلاح، هو سني، على سنة الرحمة والمحبة التي جاء بها نبي الرحمة محمد(ص)، هو أرثوذكسي، مولود من بهاء الله تعالى ونور عيسى المسيح (ع) وحوارييه، هو درزي مفعم بالحكمة والموعظة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، هو أرمني على مذبح الصليب من أجل الحياة، حياة الوطن والكرامة والإنسان.
موسى الصدر، هو كل لبناني وكل مظلوم ومكلوم ومجروح ومحروم.. موسى الصدر، يا بسمة بيروت والجبل والشمال والجنوب، يا بسمة التراب والزرع والحصاد والتين والزيتون، يا محراب المسجد وأجراس الكنائس، يا حلم الأوصياء والنبوات، يا موجنا الذي لا يهدأ. موسى الصدر، يا كل الوطن والمحرومين والمستضعفين، السلام عليك، ولموسى الصدر السلام.