كتب ايلي الفرزلي في "الأخبار": انتهت أزمة المحروقات التي لم تكن أزمة أصلاً. قرار شركات النفط عدم توزيع البنزين والمازوت منذ الخميس هدف إلى الضغط على مصرف لبنان لفتح اعتمادات الشحنات التي وصلت إلى بيروت. أُخذ الناس رهينة، حتى فُتحت الاعتمادات وعادت الشركات إلى التوزيع أمس!
منذ الخريف الماضي، لم يعرف الناس سوى القلق. يعيشون تحت رحمة مصرف لبنان وتعاميمه وقراراته. صار الشراء على السعر الرسمي للدولار يُسمى دعماً. تطبّع الجميع مع الفكرة كما تطبّعوا مع سرقة أموال المودعين، التي يستعمل ما تبقى منها في عملية الدعم تلك.
أولى المواد المدعومة كانت المحروقات والقمح والدواء. كان ذلك مطلع تشرين الأول 2019. وبعد 10 أشهر، لم يتردد رياض سلامة في الإعلان عن عدم قدرته على الاستمرار في الدعم. صارت المعادلة: أموالكم لنا ولا دعم لكم. تلك خطوة زادت منسوب القلق. متى يتوقف الدعم؟ سؤال لم تُعرف له إجابة بعد. لكن في نهاية الأسبوع، عاد مشهد طوابير السيارات أمام محطات المحروقات ليتصدّر المشهد، إيذاناً بأن التنفيذ لن يكون بعيداً، بالرغم من أن السبب كان كالعادة: تأخر مصرف لبنان في فتح الاعتمادات.
الأحد والإثنين شهدا أزمة حادة، قبل أن تعود وتنفرج أمس. هذه المرة لم يُفقد البنزين كما حصل سابقاً. الشركات المستوردة قرّرت يوم الخميس الرد على رفض مصرف لبنان فتح اعتمادات لباخرتين وصلتا الثلاثاء، بحجة عدم إعلامه بهما مسبقاً. ولذلك، اتفقت في اجتماع مشترك على عدم توزيع المحروقات. حينها، طمأن بعض الشركات زبائنه إلى توفر المحروقات في البلد، كاشفاً أن تلك الخطوة هدفها محصور بالضغط على المصرف المركزي لفتح الاعتمادات للبواخر التي وصلت إلى بيروت. هنا لم تتردّد الشركات في استغلال الناس لتحقيق هدفها. وقد عمدت بالفعل إلى عدم توزيع المحروقات يوم الجمعة (في العادة لا يتم التوزيع يومي السبت والأحد). يوم الأحد كان البنزين قد نفد من بعض المحطات. وفي اليوم نفسه تبلغت هذه المحطات أن لا توزيع يوم الإثنين أيضاً. كل الشركات التزمت، وبدأت المحطات تقفل الواحدة تلو الأخرى.
أمس أوضحت مصادر وزارة الطاقة أن الأزمة حُلّت. حصلت شركة "يونيتيرمينال" أولاً على الاعتمادات وأفرغت بضاعتها من الباخرة، فيما وعُدت شركة توتال وكذلك "ليكويغاز" بفتح اعتماداتهما. والأمر نفسه حصل مع شركة "بي بي إنرجي" التي كانت استقدمت باخرة مازوت لحساب منشآت النفط، وتأخر فتح الاعتماد لها.
مسألة التأخير مرتبطة بما يسمى "الاعتمادات المؤكدة" (Comfirmed LC). يشبّه أحد العاملين في القطاع هذا الاعتماد بالشيك المصرفي الذي يثبت توفر الأموال. الأمر نفسه يتكرر هنا. إصدار مصرف لبنان لاعتماد مؤكد يمثّل ضمانة بأنه سيدفع الاعتماد فور وصول الشحنة.
بعض الشركات، ونتيجة علاقاته مع الشركات المورّدة، يتمكن من استيراد البضاعة من دون اعتماد مؤكد، لأنه إما ليس بحاجة إلى ضمانة ليحصل على البضاعة أو لأنه قادر على الدفع في الخارج قبل الحصول على الأموال من مصرف لبنان، فتكون النتيجة تأخر حصوله على الاعتماد، إلى حين ينهي مصرف لبنان إجراءات فتح الاعتماد.
في النتيجة، فتحت الاعتمادات تحت ضغط بدء فقدان المادة من السوق، ونجح المستوردون في استغلال الناس للضغط على مصرف لبنان، إلا أن أحداً لا يضمن أن لا تعود هذه الأزمة، ربطاً بقرار المصرف تعديل نسبة الدعم.
بحسب المعلومات، فقد عقد في مصرف لبنان، أمس، اجتماع لتحديد التعديل في نسبة الدعم، ربطاً بالمعلومات التي قدمتها له الشركات عن حاجتها حتى نهاية العام، تمهيداً لتحديد قدرته على الدعم. وفيما لم يرشح أي معلومات عن الاجتماع، كانت مصادر معنية تشير إلى أن القرار لن يطال المازوت، بل البنزين الذي ستنخفض نسبة دعمه. كل ذلك يتغاضى عن حقيقة أن تأمين الاعتمادات بالسعر الرسمي هو حق للناس، الذين يدفعون سبعة آلاف ليرة من ثمن الصفيحة ضرائب ورسوماً، والذين لا يزال الحد الأدنى لأجورهم 675 ألف ليرة.