مئة سنة على ولادة لبنان الوطن، المناسبة التي يحتفل بها اللبنانيون اليوم كلٌّ حسب طريقته، وتتعدد لدى اللبنانيين النظرة لهذه المناسبة فليس لدى لبنان السياسي والشعبي نظرة واحدة لأيّ من الإحتفالات الوطنية الكبرى.
بعد مئة عام على ولادة لبنان الوطن ما زال اللبنانيون بلا وطن وبلا هوية وبلا انتماء، ذلك أن الطائفة المذهب فوق أي اعتبار، وعلى أساسها تُبنى السياسات والتسويات والحلول، فبقي الإنتماء للوطن والهوية اللبنانية مجرد شعار فارغ
لدى جميع اللبنانيين بلا استثناء.
لم يجتمع اللبنانيون منذ ولادة هذا اللبنان على شيء، والشواهد التاريخية كثيرة وحقائق الوصايات السياسية على اللبنانيين من أكبرهم لأصغرهم لا تعد ولا تحصى ولعله لم يحصل في تاريخ لبنان أن أنتج اللبنانيون بأنفسهم عقدا وطنيا
قائما على أسس الاستقلال السيادة بمعناها الحقيقي بعيدا عن الشعارات المصطنعة.
لم يتفق اللبنانيون منذ ولادة لبنان وحتى اليوم على مبدأ الدولة القادرة المستقلة ولا على مبدأ الإنتماء الوطني فبقي لبنان الطوائف والمذاهب أقوى لتأتي الأحزاب فيما بعد وتكرّس مبدأ الطائفية والمذهبية فعاش لبنان أسوأ الحروب ودفع
اللبنانيون أثمانا باهظة في حرب كانت كل عناوينها طائفية ومذهبية، حتى جاء اتفاق الطائف الذي كرّس الطائفية في الدستور وأصبح كل شي على المذهب والهوية.
لم يحسن اللبنانيون صناعة وطن أو هكذا أريد لهم، ولم يحسنوا صيانة الهوية ولم يكن الإنتماء الوطني هدفا أساسيا فبقي لبنان في مهبّ النزاعات السياسية والطائفية والحزبية فخرجت الزعامات لتقبض على مفاصل الدولة ورأسها
وبقي هذا اللبنان في مهبّ التناقضات وبقي مسرحا وساحة للصراعات الخارجية والولاءات المشبوهة فضاع لبنان بأيدي شعبه وسياسييه وزعمائه وها نحن ندفع الثمن.
بعد مئة عام اليوم لبنان في الواجهة السياسية وفي قلب التحدي فهل نستطيع بناء لبنان جديد؟ وهل نستطيع أن نخرج إلى بناء الوطن المستقل؟
لعل زيارة الرئيس الفرنسي اليوم تسهم في تحريك المياه الراكدة وقد علم الفرنسيون أن لبنانهم أمام تحدي الزوال أو البقاء فكانوا ربما أحرص من اللبنانيين أنفسهم على صيانة لبنان والمحافظة عليه فدعى الرئيس الفرنسي إلى عقد
جديد وكانت مواقفه كثيرة حول ضرورة الاصلاحات ومحاربة الفساد ووضع حد للعب السياسيين اللبنانيين بوطنهم وأن لا يكونوا لعنة التاريخ.
الرئيس الفرنسي في مئوية لبنان يستعيد هذا البلد من الانهيار بل ومن الزوال لأنه يؤمن بشعب لبنان ولأنه يتحسس آلام هذا الشعب في ظل طبقة سياسية ما زالت تمعن في قتل الوطن.
إقرأ أيضا : عاشوراء ووعي الثورة
لعل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أكثر لبنانية من أي مسؤول لبناني وأكثر مسؤولية من أي سياسي لبناني، كان في الشارع إلى جانب الناس، وكانت لفتته في تكريم الفنانة الكبيرة فيروز تأكيد على سموّ العلاقة بين الفن
والأخلاق بين الفن والإنسانية وبين فيروز وهذا اللبنان.
أعاد الرئيس الفرنسي الإعتبار إلى لبنان الفن والثقافة والريادة في وقت قتل هذا اللبنان على أيدي سياسييه وزعمائه بفعل النكد السياسي والطائفي.
في مئوية لبنان جاء الرئيس الفرنسي ليمدّ يد العون والمساعدة وكان حريصا على لبنان أكثر من بعض اللبنانيين وأكثر من بعض السياسيين وأكثر من بعض الإعلاميين والصحفيين الذين لا وجود لهم ولا لنشازهم ولا لأصواتهم في
ظل لبنان جديد قائم على المحبة والانسانية وقيم العدالة والتسامح.
رغم المبادرة الفرنسية التاريخية تجاه لبنان وأيقونة لبنان فيروز الجميلة والقوية لم يستطع بعض اللبنانيين ضبط نكدهم وعنصريتهم وحقدهم فأخذوا فيروز لنكدهم السياسي وحقدهم السياسي لكن فيروز ما زالت أكبر من كل
العصابات الاعلامية المصطنعة ومن كل الأبواق المأجورة.
لبنان الجديد حلم وطموح وأمل ولعل البعض من اللبنانيين من اعلاميين وسياسيين لا يريدون ذلك لأنهم يندثرون ويموتون.
رغم كل ذلك ورغم الكذب والتضليل وحفلات الدجل شكرا ماكرون وشكرا فرنسا.