منذ بدء انتفاضة تشرين ، تبين أن كل ما يجري في الشارع لا يؤثر على مزاج الطبقة السياسية التي كانت تفكر بحلول لأزمتها في الحكم لا بحلول للأزمة التي يعيشها الشعب والتي دفعته إلى الخروج إلى الشارع محتجا. كان السياسيون يخططون لما بعد الأزمة انطلاقا من تسويات طائفية وحزبية صار الشارع ينظر إليها باستخفاف.
من يراقب حركة المشاورات التي تمشي كالسلحفاةِ لتشكيل حكومةٍ جديدةٍ يتأكد ان الامور للوصول الى الانقاذ بعيدةٌ وشاقةٌ وصعبةٌ. حتى الان وبعد اسبوعين واكثر على استقالة حكومة حسان دياب لا موعد معلناً او مرجحاً للمشاورات والاستشارات في قصر بعبدا لان الامور كما تبدو لم ترسُ على اسم لترؤس الحكومة.
علماً إن المدخل الوحيد هو إحترام رئيس الجمهورية للدستور ودعوته فوراً لإستشارات نيابية ملزمة عملا بالمادة 53 والإقلاع نهائياً عن بدعة التأليه
قبل التكليف
يسجل لهذه السلطة إجرامها لأنها لم تستدرك كارثة حتميّة الوقوع أدّت لسقوط الآلاف من سكانها بين شهيد وجريح، ويسجلّ لها خنوعها والإصرار على إجراء تحقيق بين موظفين متورطين أو مقصّرين يبدأ من مدخل المرفأ ويتوقف عند رصيفه ، فيما الحقيقة موجودة ما بعد الرصيف وما قبل مدخل المرفأ. كما يسجلّ لمصادري هذه السلطة لا مبالاتهم وعدم التوقف أمام الجريمة المروّعة في قضاء الكورة التي قد تكون بداية لمسلسل إغتيالات قادم، وعدم قراءة ما تعنيه الإشتباكات في الجنوب والبقاع وسقوط مواطنين من أبناء البلدات المتجاورة على خلفيّة تعليق رايات حزبية ودينية، وما يُستدلّ من كلّ ذلك من مؤشرات إجتماعية وسياسية وخلقيّة تهدد المجتمع بالاقتتال والانهيار والتفكك .
تواصل القوى السياسية مشاوراتها لتشكيل الحكومة الجديدة دون ان يعين القصر الجمهوري موعداً للاستشارات الملزمة وذلك في خرق جديد للدستور. حتى الآن يبدو أن اسم الرئيس سعد الحريري هو الاكثر حظاً على ما يبدو وذلك بسبب المرحلة التي يمر بها البلد وهي الأسوأ في تاريخه المعاصر، وسيتوجب تكليف رجل للمرحلة أو رجل المرحلة الذي يتمتع بصفات ضرورية للخروج من المأزق الذي غرق البلد فيه.
في هذا الوقت يواصل التيار الوطني الحر مشاوراته ورئيسه النائب جبران باسيل لا يرغب بعودة الحريري الى السراي فرئيس الحكومة المرشح له تجارب مريرة مع باسيل ومع حكومات الوحدة الوطنية إجمالاً إذ اعاق هذا النوع من الحكومات اتخاذ القرارات المهمة وخضع كل وزير إلى مرجعيته السياسية بحيث كان الوزير يقطع اجتماع الحكومة ليذهب الى غرفة اخرى ويتصل بزعيمه ورئيسه ويأخذ منه الامر. كل ذلك وضع حكومات الوحدة الوطنية أمام مطبات وعوائق كثيرة كان من المستحيل تجاوزها.وبالأمس اعلن الرئيس الحريري عدم ترشحه لرئاسة الحكومة بحسب البيان الذي صدر عن مكتبه الاعلامي .
صحيح ان لبنان لا يمكن حكمه من طرف واحد لكن في المقابل يستحيل العمل مع احزاب متخاصمة متنافرة لكل منها رأيه بل أكثر من ذلك فان لدى بعض الاحزاب اجندة اقليمية وارتباطات مع الخارج. بأي حال الاستشارات التي يجريها رئيس مجلس النواب متواصلة وهو شخصياً يفضل عودة الحريري الى السراي وهذا موقف حكيم لكن ذلك لا يكفي إذ ان للطرف الاخر رؤيته وشروطه فالمرحلة لا تحتمل تسويات وعلى الكل الاخذ بعين الاعتبار حراك الشارع الذي يريد حكومة مستقلة.
إقرأ أيضا : قرار المحكمة الدولية وانعكاسه على تشكيل الحكومة
من الواضح أنّ التعثّر في الملف الحكومي سيقود إلى مزيد من الاهتراء المالي. وهذا الاهتراء نفسه من عُدَّة المعركة. ففيما تتحرَّك لازار مجدداً، وفي اللحظة الصعبة، وتلاقيها مؤسسات التصنيف الدولية بإدراج لبنان عند الحضيض، يصعِّد صندوق النقد الدولي متمسّكاً بشروطه. وفي هذا السياق أن هذه السلطة ما تزال في حال من الإنكار الشديد لواقع لبنان واللبنانيين، وترى في ذلك فرصة جديدة للابتزاز على قاعدة أن هدفها الوحيد هو التمسك بمكاسب سلطوية واهية أو حتى تحقيق أحلام شخصية مفترضة في سلطة لاحقة. وهو مع الأسف ابتزاز يتخطى مصلحة البلد، ليصبح ابتزازا للبلد ولفرصة الاهتمام الدولي المتجدد ولمعيشة اللبنانيين وكراماتهم.
ويصبح هذا الأمر بالغ الأهمية عندما يعترف مصرف لبنان بأنّ حدود دعمه للسلع الأساسية لن تتجاوز 3 أشهر. فهل يمكن تصوُّر الوضع المالي، ووضع الليرة ومقدار النقمة والفوضى، عندما يصبح الراتبُ بكامله غير كافٍ لشراء الدواء والخبز فقط؟
لكنّ الأسوأ هو المناخ المتنامي، منذ ما قبل انفجار المرفأ، عن رائحة توتّرات أمنية مفتعلة قد يلجأ إليها بعض الأطراف والمجموعات الخفيّة، خدمة لمصالح معينة وللمتضررين من نجاح أي تسوية.
فلا أحد يستطيع تبرير الحوادث الغامضة في مناطق عدة جنوباً وبقاعاً، والتي بلغت ذروتها بجريمة كفتون الكورة. وإذا كان صحيحاً أنّ المشتبه بقيادته السيارة الجانية قام بتفجير نفسه انتحارياً، فهذا يعني كثيراً للدلالة الى طبيعة الجُناة والعملية. وهو يطرح أسئلة عما إذا كان الانتحاريون قد عادوا إلى الواجهة تلبية لأجندة معينة. فلماذا يعودون؟ وما الآلية التي تُحرِّكهم؟
أكثر من ذلك، في ظل هذه الحال من التوتر والفوضى والفلتان، هل يصبح وارداً تَوقُّع أعمال تخريبية واغتيالات، على غرار ما جرى في مراحل سابقة من التأزم السياسي وهل تتكامل الصدمة الأمنية والانهيار الاقتصادي فينتقل البلد من ستاتيكو إلى آخر.