لم نكد ننتهي من وباء "داعش" المدمر، حتى ابتلينا بفايروس كورونا الذي يكاد يتساوى بخطورته مع الاول، وبين الوباءين يطفوا على السطح مرة جديدة السؤال القديم الجديد عن تخلف المسلمين لركب الحداثة والتطور حتى باتوا على هامش الهامش بين الامم.
قد يقول قائل هنا، ما هو الرابط بين الوباءين المذكورين وبين التخلف والجهل"الاسلامي" الذي تحاول إقحامه في الميدان، وإن كان الامر واضحا بالموضوع الداعشي، فإن غموضا يحتاج الى توضيح بالموضوع الثاني ( كورونا ).
أولا: دعونا نقر ونعترف بأن مصيبة المصايب عندنا وسبب أسباب ما نحن عليه من التقهقر الذي انتج داعش وغير داعش انما هو الوقوف على النصوص والفتاوى والاحاديث والسيرة من دون مراعاة الظروف التاريخية والاسباب الموجبة وبالتالي إخراج النص من تاريخيته واعتباره فوق الزمان والمكان، مما عطل كل عملية التفكير عند المجتمع بانتظار اجتراح حلول معلبة تأتينا من مرجع هنا أو محدّث هناك ليخبرنا عما انتجه الاقدمون من حلول، ويستدل على ما يقوله برواية او نص وكفى الله المؤمنون شر التفكير
وعليه، ونحن نعيش بمستجد اسمه وباء الكورونا، وما فرضه علينا هذا الوباء من سلوكيات واجراءات لم تكن موجودة قبله، والتي مع مرور فترة زمنية معينة ستتحول هذه السلوكيات المفروضة أقرب ما تكون إلى تقاليد وعادات، منها وأبرزها لبس الكمامة.
إقرأ أيضا : ماذا بعد تجريم سليم عياش؟
تعالوا نتصور كيف سيتعامل العقل الديني مع هذه العادة الجديدة،
في البداية كان الرفض والامتناع هو سيد الموقف ( كما كل جديد )، حتى أن ندبيات واناشيد انطلقت لمحاربة هذه العادة ( نلبس عيب الكمامة ... )، باعتبار ان هذا الامر ما هو إلا مؤامرة خبيثة من الخارج تستهدف اول ما تستهدف هو الطقوس الدينية والمراسم المذهبية
أما الآن وبعد ثبوت الضرورة وخضوع "الحوزة" والقيمين على العقل الديني بأن الكمامة ليست رجسا من عمل الشيطان وأنها ليست أكثر من إجراء وقائي لا بد منه،
طبعا الحوزة الدينية والعقل المرجعي غير معني لا بإنتاج علاج لهذا الوباء ولا تصنيع لقاح له، وأكثر ما يمكن أن ينتجه العقل الحوزوي هو الافتاء الآن بوجوب لبس الكمامة من أجل رفع الضرر ليلتزم بعد ذلك المؤمنون المشككون.
إلى هنا قد يبدو الامر طبيعيا نوعا ما، يبقى الاخطر هو ما يمكن أن أتصوره في المستقبل بعد أن تتحول الكمامة الى تقليد واجب فرضته الظروف، وهذا التصور مبني على تاريخ تعاطي الاسلامويين مع الاحداث والعادات والتقاليد
فأنا اكاد أجزم أنه وبعد توصّل الغرب " الكافر " لعالج يقضي على الوباء فإن آخر من سوف يخلع الكمامة هم الاخوة الملتزمون دينيا الذين انما ارتدوها بناءا على فتوى المرجع وبالتالي لا يمكن خلعها إلا بفتوى.
وهنا ستبدأ ال " اجتهادات العلمية " من مراجعنا العظام، وسنجد من يستدل على وجوب الابقاء على الكمامة كون السلف الصالح من مراجع التقليد أمر بها، وتدور حينها الحلقات " العلمية " والخلافات الحوزوية ولا استبعد أن يكفّر مرجع مرجعا يفتى بخلاف ما يرى، ويكتب أحدهم بحثا علميا بعنوان "الادلة المستدامة على وجوب لبس الكمامة" ليرد مرجع آخر ببحث وتحقيق اكثر دقة بعنوان " تهافت الادلة بوجوب لبس الكمامة المذلة "
وتتحول " الكمامة " بمرحلة من المراحل الى ما يشبه " رؤية الهلال " او " الموسيقى والغناء " او " حلق اللحية " او " لبس الكرافات " والكثير الكثير من "القضايا الخلافية "، والانحس من كل هذا اذا ما افتى المراجع الشيعة بوجوب لبس الكمامة فيما المراجع السنية تفتى بخلاف ذلك، فتضاف أزمة الكمامة الى أزمة الخلافة.