صحيح أنها المرة الأولى التي يكشف فيها الغطاء عن مرتكب لجريمة سياسية في لبنان، ويُعرف المرتكب والجهة التي ينتمي إليها، وهذا يعتبر تحولا تاريخيا في الحياة السياسية اللبنانية، بالأخص أن الكشف عن المجرم جاء هذه المرة من قبل محكمة دولية أنشئت بقرار دولي.
وبهذا اللحاظ، فأنا أعتبر أن "المحكمة" الحقيقية قد بدأت الآن وليس كما يُعتقد بأن لحظة النطق بالقرار هو نهاية هذه المحكمة ودورها وتبعاتها وما سوف يبنى على قرارها ، لأن السؤال الكبير عن مرحلة ما بعد النطق وتسمية سليم عياش هي الآن السؤال المحوري الذي من خلاله ترتسم معالم نتائج هذه المحكمة.
لا بد من الإشارة أولا أنه لا فرق البتة من حيث التبعات والمترتبات بين ثبوت الجرم على واحد من الأربعة أو الخمسة المشمولين بالقرار الاتهامي وبين تبرئة آخرين والإبقاء على واحد منهم ( سليم عياش )، فهذا إنما يعطي دفعا إضافيا على صدقية هذه المحكمة وحرفيتها من دون المس بأصل النتيجة وثبوت التهمة على الجهة التي ينتمي إليها سليم عياش.
كيف سيتعاطى حزب الله، في القادم من الأيام مع هذا المستجد؟ أولا مع جمهوره والبيئة الحاضنة؟ ثانيا مع المجتمع اللبناني وبالأخص مع الشارع السني وتيار المستقبل كونه الجهة المعنية بالمباشر بالقضية؟ وثالثا مع المجمع الدولي؟
إقرأ أيضا : ليس بين رفيق الحريري وموسى الصدر مسافة
مع جمهوره وبيئته هناك عدة مستويات من الردود والدفاعات ( اذا صح التعبير )، فالبيئة الحزبية الضيقة ليس عنده مشكلة معها، فالمقتنع بأن الحزب يقف خلف الاغتيال فهو يعتبر سلفا بأن من يقتله الحزب هو حتما يستحق القتل وبالتالي هو يعلم مسبقا ان سليم عياش ( المقاوم، والمجاهد ) إنما قام بتكليفه الشرعي لا أكثر ولا أقل وبالتالي فإن "الحج" سليم هو بطل من أبطال المقاومة ومحل فخر لضيعته ( كما عبرت اليافطة التي رفعت بحاروف )
أما من يظن من هذه البيئة بأن الحزب لا يمكن أن يرتكب مثل هذه الافعال فإنه لديه من البروبوغاندا الدعائية التي راكمها الحزب طيلة سنوات المحكمة ما يمكن بسهولة أن يتناول هذا المرتاب مجموعة من السهام ويقذفها بوجه المحكمة وقرارها واعتبار أن الحكم النهائي ما هو إلا استهداف باطل وعمل من أعمال الشيطان الامبريالي الصهيواميركي السعودي الخليجي الاستعماري بقصد تشويه صورة المقاومة أو التركيز هذه الأيام على مشاهدة تلفزيون الجديد والاستماع جيدا إلى النائب جميل السيد، وكفى الله المؤمنين شر الاتهامات.
على المستوى الأوسع وبما يخص الشعب اللبناني، فالحلفاء ومعهم وفي مقدمهم التيار الباسيلي، فهو اصلا يعتبر ان اغتيال الشهيد رفيق الحريري وكل الاغتيالات التي حصلت إنما صبت في مصلحة التيار وكنا نشاهد البرودة والخفة التي كان يتعاطى فيها التيار بعد كل حادثة اغتيال، هذه الخفة الممزوجة بشيء من الرضى والتأييد وبالتالي فلا إشكالية مع التيار بهذا الخصوص، طالما أن مصالحه مؤمنة بل اكثر من ذلك فإن باسيل سوف يعمل على الاستفادة من هذا الحدث والسعي لابتزاز الحزب أكثر فاكثر على امل تحصيل المبتغى بالوعد الرئاسي على غرار الوعد الذي أوصل عمه من قبله.
مع تيار المستقبل، يعتقد الحزب أن التمسك بسعد الحريري ( ولي الدم ) لرئاسة الحكومة، يكفي من اجل مسح اي انعكاس لهذه الجريمة داخل الشارع السني فسعد المعتدل حريص كل الحرص على السلم الاهلي وتجنب الفتنة!!،
يبقى أن الحزب سيكون مضطرا الآن ليس فقط الى تسمية سعد لرئاسة الحكومة بل لا مانع من إضافة " حبة مسك " من خلال العمل على إقناع باسيل بضرورة الخروج مرحليا من الحكومة العتيدة لتمرير اللحظة
يبقى المحطة الاهم، وهي مواجهة المجتمع الدولي، بعد إحالة قرار المحكمة الى مجلس الامن، فالحزب يعلم علم اليقين بأن التسيس إنما هو سيكون في هذه المرحلة تحديدا وليس بمجيرات المحكمة، وأن الاميركي سيعمل على استكمال ما بدأه من ضغوط على ايران وأذرعها بالمنطقة وسيحول قرار المحكمة إلى حبل مشنقة يلفه على الحزب من خلال محاولة إصدار قرار تحت البند السابع بتسليم المجرم سليم عياش إلى المحكمة.
اعتقد أن الحزب هنا سيعمل على جبهتين، جبهة الفيتو الروسي والصيني، لمنع استصدار هكذا قرار، والجبهة الثانية التي لن تكلف الحزب أي ثمن هو نعي " الشهيد " سليم عياش ووفاته بمرض عضال في أحد مستشفيات طهران، وهذا بدأ العمل عليه منذ فترة من خلال توزيع تسجيلات وتس اب بين جمهوره تؤكد إصابته بالسرطان، وبسب جائحة كورونا ووصية المرحوم فإن دفن الجثمان الطاهر سيتم بمدافن الامام الرضا بايران، وكفى الله المؤمنين شر القرارات الدولية، والسلام.