رغم الآثار الكارثية للزلزال الذي أصاب بيروت مساء 4 آب، فإنّ هذا الزلزل فتح الباب أمام تطوّرات سياسية متسارعة، بدأت بالزيارة السريعة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت ودعوته "لعقد سياسي" جديد في لبنان، ومن ثَمّ الاهتمام العربي والدولي بدعم لبنان مالياً واقتصادياً ضمن خطة متكاملة من خلال مؤتمر الدعم الذي عقد في باريس الاحد، مروراً باستقالة حكومة الرئيس الدكتور حسان دياب، ووضع ملف الانتخابات النيابية المبكّرة على الطاولة في ظل استقالات عدد من النواب، وصولاً لإعادة الحديث عن إمكانية الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان والكيان الصهيوني، ما قد يفتح الباب امام دعم أميركي جديد للبنان إلى جانب التحرك الفرنسي المكثف.
التطور الأبرز في كل هذه التطورات المتسارعة هو الحديث مجدّداً عن إمكانية عودة حزب الله إلى الداخل اللبناني في إطار تسوية متكاملة يطرحها الفرنسيون وتلقى دعما أميركياً وإيرانياً وإماراتياً ومصرياً...
تقتضي هذه العودة توقف حزب الله عن التدخل في شؤون عدد من الدول العربية والتزامه بسياسة النأي بالنفس وعدم جرّ لبنان إلى سياسة المحاور الإقليمية والدولية، مقابل عدم طرح ملف سلاح حزب الله، بانتظار التوافق على الإستراتجية الدولية والتسوية الشاملة في المنطقة.
تحدّث النائب محمد رعد خلال اللقاء مع ماكرون قائلاً "إنّ الطائفية والمذهبية هي التي تحمي الفساد، وإنّ مواجهة الفساد تقتضي إنهاء الطائفية في النظام اللبناني"
لكن ما هو الثمن الذي يمكن أن يأخذه حزب الله للعودة الى الداخل اللبناني؟ وما علاقة العقد السياسي الجديد بدور حزب الله والتغيير الآتي في النظام السياسي اللبناني عشية احتفال لبنان بالذكرى المئوية لتأسيس لبنان الكبير؟ وأي دور لفرنسا في كل هذه التسوية؟
لم يكن أمراً بسيطاً أن يخصّص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بضعة دقائق للانفراد برئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد خلال اللقاء الذي عقده الرئيس الفرنسي مع القيادات اللبنانية في قصر الصنوبر خلال زيارته للبنان بعد الانفجار الكبير في المرفأ. وتشير المعلومات إلى أنّ ماكرون حمّل رعد تحياته لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، والاستعداد للتعاون مع الحزب لمعالجة الأزمة اللبنانية.
في المقابل، تحدّث النائب محمد رعد خلال اللقاء مع ماكرون قائلاً "إنّ الطائفية والمذهبية هي التي تحمي الفساد، وإنّ مواجهة الفساد تقتضي إنهاء الطائفية في النظام اللبناني".
هذه الإشارات السريعة قد تكون عنوان التسوية الجديدة في الواقع اللبناني، والتي قد تتضمّن تشكيل حكومة لبنانية جديدة، والذهاب إلى عقد مؤتمر وطني شامل، ومن ثَمّ إعادة البحث في "كلّ النظام السياسي" مع العلم أنّ الرئيس برّي أوفد النائب ابراهيم عازار إلى الاجتماع برسالة واضحة، تنص على دولة مدنية واستكمال تطبيق الطائف. سواء من خلال إعادة تقييم اتفاق الطائف أو إجراء تعديلات عليه. وكلّ ذلك سيكون محور البحث والنقاش في الأسابيع المقبلة وقبل عودة الرئيس الفرنسي إلى لبنان في أوائل شهر أيلول المقبل للمشاركة في إحياء ذكرى مرور مئة عام على إنشاء لبنان الكبير على يد الفرنسيين.
نحن إذن أمام صراع جيو – سياسي، وعودة حزب الله إلى لبنان والداخل اللبناني قد تكون جزءاً من تسوية شاملة داخلية وخارجية لمنع انهيار لبنان
فهل سيولد لبنان الجديد على يد الفرنسيين مجدّداً، لكن بتوافق مع الأميركيين والإيرانيين والعرب؟ وما علاقة تركيا والدور التركي بهذه الولادة؟
تشير مصادر المجتمعين مع الرئيس الفرنسي في قصر الصنوبر إلى أنّه حرص خلال إلقاء كلمته على الإشارة إلى خطورة الدور التركي في المنطقة، وضرورة العمل لمنع تركيا من استغلال الأزمة اللبنانية كي تطلّ مجدّداً على البحر المتوسط بعد تدخلّها العسكري في ليبيا ومناطق أخرى.
نحن إذن أمام صراع جيو – سياسي، وعودة حزب الله إلى لبنان والداخل اللبناني قد تكون جزءاً من تسوية شاملة داخلية وخارجية لمنع انهيار لبنان، ومن أجل إعادة بنائه مجدّداً، ويكون لحزب الله وما يمثّل دوراً فاعلاً في النظام الجديد.
فهل ستسير الخطة الفرنسية المدعومة أميركياً وإيرانياً وعربياً وفق هذا الاتجاه، أم سنكون أمام عقبات جديدة داخلية وخارجية؟
الأيام والساعات الآتية ستكون مليئة بالتطوّرات المتسارعة وكلّ شيء وارد.
اساس ميديا