حسنا فعل حزب الله أنه لم ينتظر هذه المرة 33 يوما أو أكثر، حتى يرضى بالذهاب إلى التسوية وبالتراجع خطوة إلى الوراء، وهذا لا يعتبر البتة هزيمة ولا يمكن وضعه في خانة الانكسار، وإنما يوضع حتما في خانة الحكمة والحرص على البلاد والعباد، وأكثر من ذلك فقد قلنا مرارا وتكرارا ومنذ أمد بعيد بأن التراجع والإنحناء قد يحتاج في أغلب الأحيان إلى كمية من الشجاعة والعقلانية والبصيرة أكثر بما لا يقاس من الذهاب نحو الحرب والمواجهة.
لا شك عندي ولا ريب أن انفجار المرفأ نتج عن غارة إسرائيلية استهدفت مخازن صواريخ تعود لحزب الله، وأن أي حديث آخر بهذا الخصوص لا يعدو أكثر من ترهات لا أسمح لعقلي أن يتوقف عندها لحظة واحدة ولا تعنيني تفاصيلها أصلا.
الحديث المجدي الآن، وبعيدا عما يختلجنا من مشاعر الأسى والحزن على الفجيعة التي حلّت علينا وبعد الترحم على الضحايا والتمني بالشفاء للجرحى والحرص على لملمة آلام المشردين والمنكوبين، هو مرحلة ما بعد استقالة الحكومة وعما يحكى عن التسوية وكيف ستقاربها أحزاب السلطة التي لم ولن تتحرك ضمائرهم قيد أنملة أمام هول ما نحن فيه.
واضح أن إرهاصات التسوية ومؤشراتها تنبئ عن تحولات كبرى، تبدأ بحكومة حيادية مستقلة، مرورا بانتخابات نيابية مبكرة وصولا إلى تقصير ولاية رئيس الجمهورية وانتخاب رئيس جديد للبلاد.
في المقابل على حزب الله أن يسمح بالانتهاء من ترسيم الحدود البرية والبحرية مع العدو والتخلي عن صواريخه الدقيقة وصولا الى ترسيخ فكرة حياد لبنان وتحوله الى حزب سياسي وحصر السلاح بيد السلطة الرسمية في مراحل قادمة الامور توحي بأن الأوضاع تنحو إلى هذا المنحى.
اقرا ايضا : السد بدل الرد
يبقى أن التخوف هو في التفاصيل التي يكمن الشيطان أو الشياطين أو المافيا لا فرق، داخلها، فإذا سلّمنا جدلا بأن هذه الطغمة الحاكمة لا يمكن أن ترضى بأية تسوية لمصلحة الوطن على حساب مصالحها الخاصة فهذا يعني بالضرورة أنها لن تألوا جهدا عن محاولات حثيثة سوف نشهدها من أجل حرف مسارات الأمور لخدمة أهدافها، كأن يتحول سعد الحريري مرة جديدة إلى "حيادي"، والحكومة الحيادية الى "حكومة جامعة" أو ما يسمونها "حكومة وحدة وطنية" وأن يفصّل القانون الانتخابي بقانون على قياسهم مرة جديدة مع بعض التعديلات الطفيفة أو حتى الإبقاء على القانون الحالي هذا اذا لم نقل بإدخالنا مرة أخرى بدهاليز معضلة القانون الانتخابي الجديد لشراء المزيد من الوقت وتطيير الانتخابات المبكرة.
وفي خضم هذه الانفاق المرتقبة التي تتقن المافيا افتعالها، والمشكلات التي تجيد هذه المافيا ابتكارها، على أمل شراء المزيد من الوقت الضائع على طريقة الأشهر الماضية التي قدمها لهم حسان دياب، للوصول سالمين إلى مرحلة ما بعد الانتخابات الاميركية، ومن ثم العودة إلى المربع الأول من الفوضى والانهيار.
صحيح أن المجتمع الدولي والإقليمي حاضر بثقله في الميدان، وأن الملف اللبناني قفز ليكون الملف رقم واحد عالميا وهذا ما يؤكده حجم وعجقة الوفود القادمة ألى لبنان بعد 4 آب، وإن كان كل ذلك عامل اطمئنان لدى عامة الشعب اللبناني، إلا أنّ دهاء وخبث وشرور هذه المافيا الحاكمة تجيد اللعب حتى مع الدول الصغرى والكبرى، وعليه يجب أن لا يعفينا من الحضور الدائم في الساحات والشوارع حتى ننتج خلاصنا بأيدينا لأن هذه الطبقة الملعونة، قد تعطي المجتمع الدولي الكثير من التنازلات ولكنها حتما لن تعطي الشعب اللبناني قيد أنملة من حقوقه على حساب امتيازاتهم .
والعبرة الآن في شكل الحكومة المزمع تشكيلها ... فحذاري من الاعتماد على غير سواعدنا .