على وقع كارثة المرفأ التي أدت إلى ما أدت اليه من تدمير وقتل وتهجير حل يوم السبت تحت عنوان يوم الحساب و كانت تظاهرات كبيرة تملأ شوارع وسط بيروت، المنكوب بفعل. تظاهرات ضدّ الفساد وضدّ كلّ من تسبب بقتل اللبنانيين. وقد خرج رئيس الوزراء حسان دياب بكلمة إلى اللبنانيين والمتظاهرين من السراي الكبير، حملت بين سطورها بوادر ومؤشرات تسوية كبرى يتم عقدها على نار حامية في الملف اللبناني. تسوية كانت ملامحها قد بدأت تلوح مع زيارة الرئيس الفرنسي الى بيروت مع موافقة الولايات المتحدة وترحيب حزب الله، بعد تطوّرات شهدها لبنان تدلّ عليها. وقد بدا طرح دياب انتخابات نيابية مبكرة أولى بوادر تلك المؤشرات، التي حاول دياب امتصاص غضب اللبنانيين بها.
فبعيد استقالة وزير الخارجية ناصيف حتّي، الذي يقال إنّ علاقات وطيدة تجمعه بالفرنسيين والأوروبيين والمؤشّر الأهم هو كلام رئيسها حسان دياب عن أنّ الحل في لبنان لا يكون إلا بإجراء إنتخابات نيابية مبكرة سأتقدم باقتراحها في جلسة مجلس الوزراء، وأنّه يتحمل مسؤولية الحكومة لمدة شهرين حتى تصل الأحزاب السياسية لاتفاق. وكلامه جاء على وقع الشارع المنتفض والمواجهات في وسط بيروت التي شهدت اقتحامًا لعدد من الوزارات هي الخارجية والطاقة والإقتصاد والبيئة، رافقها بيان من السفارة الامريكية في بيروت دعم الحقّ بالتظاهر للشعب اللبناني الذي عانى كثيرًا ويستحق أن يكون لديه قادة يستمعون إليه.
يترافق ذلك أيضاً مع معلومات قد تردَّدت عن زيارة مُرتقبة لنائب وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل إلى بيروت، يتناول فيها كذلك ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل.
زيارة ديفيد هيل الآتي حسب بعض المصادر لحسم ملف ترسيم الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وذلك بعد كلام رئيس مجلس النواب نبيه برّي عبر جريدة النّهار عن قرب الانتهاء من هذا الملف العالق. ويأتي هيل لمتابعة الشّروط الأميركية السابقة، ومنها الانتخابات النيابية المُبكرة التي استبق دياب وصوله بإعلان تبنّيه لها. كما أنّ هيل وخلال زيارته الأخيرة بعيد اندلاع الأزمة اللبنانية، كان قد بدأ بالبحث مع المسؤولين بعودة حزب الله إلى لبنان وتفكيك برنامج الصّواريخ الدقيقة وضمان أمن إسرائيل بمقابل غض نظر أميركي عن سلاحه بالكامل، وذلك بحسب معلومات ويُعتبر ديفيد هيل من رجالات التسويات والدبلوماسية الناعمة في الولايات المتحدة الأميركية. كما أنّ زيارة وكيل الخارجية الأميركية إلى لبنان سبقها قبل أسابيع بحسب معلومات إخطار من واشنطن لمسؤولين لبنانيين رفيعي المستوى بالتحضّر لزيارة قريبة لمساعد وزير الخارجية لشؤون الشّرق الأدنى ديفيد شينكر. وشينكر معروف بصلابة مواقفه وتفضيله أسلوبَ المواجهة. لكنّ استبدال زيارة شينكر بهيل تُعطي مؤشرًا أميركيًا ناعمًا لمحاولة حلّ الأزمة اللبنانية، خصوصاً أنّ حزب الله أعطى مؤشرات تنازل عديدة للولايات المتحدة بدأت بالإفراج عن عامر الفاخوري ولن تنتهي بترسيم الحدود وبدء الكلام عن تغيير حكومي.
إقرأ أيضا : المشهد معقد حريق في المرفأ أم رسالة نارية ؟
وصول أحد المسؤولين الأميركيين من برنامج الولايات المتحدة للمساعدات ، كما أفادت مصادر الخارجية الأميركية في ما يبدو أنّه قرار بتقديم مساعدات كبيرة.
تبقى زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت فكلام ماكرون عن سلاح الحزب كان لافتًا، خصوصًا حين أجاب أنّ الحزب مُنتخب من قبل الشّعب اللبناني وقدّم الكلام عن الإصلاحات ومحاربة الفساد وتجنّب عن ذكر أي كلام مباشر عن السّلاح.
الاتصال بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره اللبناني ميشال عون يقول مراقبون إنّ ترامب كان يمكن أن يحصر التعازي ببرقية أو باتصال من نائبه أو وزير الخارجية، إلّا أنّ الإتصال المباشر يحمل دلالة أخرى، خصوصًا أنّه حصل بعيد إتصال بين ترامب والرئيس الفرنسي ماكرون.
المشاركة الشخصية لترامب في مؤتمر دعم لبنان وإعادة إعمار بيروت الذي عقد يوم الأحد تحمل من الدلالات الكثير، خصوصًا أنّ إدارة ترامب كانت تعتمد سياسة العزل تجاه لبنان، ما يشير بالتحديد إلى كسر هذه العزلة، ولكن لن يكون الكسر دون مقابل قُدم سلفاً أو سيُقدم .
فهل سيتم التعامل مع هذه المؤشرات على الطريقة التقليدية اللبنانية أم سيكون هناك تعاطٍ آخر؟ .
مع كلّ هذه المؤشرات، يبقى الحذر سيد الموقف قائمًا من أنّ أي خلط للأوراق في طريق الخروج من النفق المظلم والشروع بالتسوية قد يعيد الأمور إلى نقطة الصّفر، ويرفع من منسوب الخنق الإقتصادي الذي أعلنت فرنسا أنّها لا تؤيّده لأنّه يزيد من نفوذ حزب الله في لبنان. وعندها حتماً سيعود لبنان إلى دوامة الانهيارات.