لم يكن ينقص لبنان إلا الكارثة التي أصابته بالانفجار الهائل والغامض الذي أصاب العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، والذي حوّل العاصمة وسواحلها إلى مدينة منكوبة، بعدما أتى على بنية المرفأ التحتية التي جرى توسيع طاقتها الاستيعابية قبل سنوات قليلة. على رغم أنّه من غير المُمكن حسم أسباب الإنفجار الذي حصل أمس في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، خصوصاً قبل إجراء التحقيقات اللازمة والتوصُّل الى نتائج تُظهر الحقيقة الفعلية لما حصل،
مرجعاً قضائياً يستبعد نظرية الانفجار البريء في العنبر رقم 12، ويقول أنّ الصورة ضبابية حتى الآن وربما ستبقى ضبابية، ويرجّح فكرة الاستهداف الاسرائيلي عبر عملية مخابراتية لتضيّع الشنكاش في حال كان سيناريو اعتبار العنبر 12 ملكية خاصة لحزب الله صحيحاً، أو ربما هو كذلك بالنسبة لإسرائيل فقط. ولا يستبعد أنّ تكون الرسالة موجّهة إلى حزب الله وفيها ما يكفي من العنف ما يبرّر التخبّط الحاصل بين الأجهزة الأمنية.
الوقت الفاصل قليل بين تصريحات نتنياهو صباح ذلك اليوم ، وبين التفجيرالرهيب في مرفأ بيروت، الذي هزّ بيروت ، هذه التصريحات الموجّهة إلى حزب الله ، ليست بعيدة عن هذا السيناريو. أطلقها بعد يوم واحد من استهداف إسرائيلي لمواقع تابعة للجيش السوري ولقواعد إيرانية قرب الحدود مع العراق. نتنياهو قال سنقوم بكلّ ما يجب أن نقوم به من أجل الدفاع عن أنفسنا. أنصح الجميع، بمن فيهم حزب الله، في أخذ ذلك بالحسبان. هذه ليست تصريحات فارغة، وإنما تصريحات من العيار الثقيل من إسرائيل وجيش الدفاع ومن المهم التعامل معها بكلّ جدية.
في برنامج صار الوقت مع مرسيل غانم، خرج المحلل السياسي رياض قهوجي ليؤكّد أنّ الانفجار هو قصف إسرائيلي واضح لشحنة صواريخ لحزب الله. وأضاف إسرائيل لم تكتفِ باستهداف مناطق محدّدة في سوريا، ولم تترك المواجهة في سوريا بل هي نقلتها بشكل رسمي إلى لبنان باختيار هدف كبير أحدث دماراً كبيراً، وأحدث صدمة في كل لبنان. وتابع هذا القصف يضع الحزب بموقف حرج على أكثر من صعيد. ليس عليه فقط أن يقرّر إذا كان سيردّ ويدخل في حرب، بل عليه أن يبرّر للبنانيين استخدامه منشآت مدنية بالعاصمة لتخزين صواريخه، وسأل ختاماًهل هناك مخازن أخرى في مناطق مدنية الله ينجينا.
ولكن اللافت هو أنّ حزب الله أصرَّ من جهته على استبعاد العامل الإسرائيلي. وهذا عامل مهم في الإضاءة على الحدث. وربما يعود السبب إلى اقتناع الحزب بعدم وجود دور لإسرائيل فعلاً. وربما يعود إلى رغبته في إبعاد نفسه عن محتويات المخزن الذي تعرّض للانفجار، أو للتفجير. فمجرد قول الحزب، مثلاً، إنّ إسرائيل هي التي استهدفته سيكون اعترافاً منه بأنّه هو صاحب مخزن الأسلحة والذخائر، وبهذا الحجم الهائل.
إقرأ أيضا : لبنان في عين العاصفة والمخاطر تزداد
إذاً، بمعزل عمّا إذا كان هناك دور لإسرائيل في الانفجار أم لا، فإنّ الهاجس الإسرائيلي يبقى قائماً دائماً في لبنان من حصول ضربات معينة. لماذا؟
الأمر يعود إلى 4 عناصر أساسية، استثارها الإسرائيليون، بدأت قبل عامين، واليوم بلغت الذروة:
أزمة معامل تأهيل الصواريخ الدقيقة الهدف التي تحدّث عنها الإسرائيليون في أيلول 2018، والتي اتهم الإسرائيليون حزب الله بإقامتها في المناطق الآهلة في بيروت وضواحيها.
أزمة الأنفاق الحدودية في كانون الأول 2018، والتي اعتبرها الإسرائيليون مبرراً للردّ على لبنان.
الضربات التي توجّهها إسرائيل إلى المواقع والأهداف والشحنات الإيرانية المرسلة من سوريا إلى حزب الله في لبنان.
الضربات الغامضة التي تتعرّض لها إيران في الآونة الأخيرة، والتي أشار كثير من التحليلات أو المعلومات إلى دور إسرائيلي فيها.
في أي حال، الكلام الذي قاله المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم عن كون المواد التي انفجرت مواد شديدة الانفجار مُصادَرة منذ سنوات يحمل مضامين مُهمّة من شأنها أن تضيء على جوانب مما حدث.
ولكن، لا يمكن استبعاد الفرضيات الأخرى، المرتبطة بإسرائيل، على رغم أن لا دلائل ظهرت في الساعات الأولى، بعد الانفجار إلى دور لها. فإذا تبيّن وجود هذا الترابط، ربما سيقود إلى أحد احتمالين:
أن يكون مقدّمة لحرب أوسع.
أن يكون بديلاً من هذه الحرب، إذا نجحت الضربات المنفردة في استنفاد الأهداف المطلوبة.
وعلى الأرجح، سيبقى هاجس الدخول الإسرائيلي على الخط الأمني مسيطراً في لبنان خلال الفترة المقبلة. والسخونة الأمنية والعسكرية تصبح مرجّحة عندما تتقاطع حولها مصالح الأطراف النافذين. وهناك إشارات إلى أنّ هذا التقاطع ربما يتكامل في المرحلة المقبلة، إذا لم يدرك لبنان كيف يسحب نفسه من بيت النار.
تحوّلت بيروت مدينة منكوبة مُدمّرة، ولم يحمل أيّ مسؤول معلومة واحدة أو حقيقة ما حصل الى اللبنانيين ولم يشعر أحد من الحُكّام بضرورة الإستقالة أمام هذا الموت والدمار والهلع والخوف والعتمة والرُكام. ومن دون أن يتمكّن اللبنانيون من إستيعاب الذي حصل في مرفأ بيروت وفي أرجاء العاصمة كافةً، خصوصاً في غياب دولة مسؤولة، وفي ظلّ سُلطة غير قادرة، لا تعلم ماذا يوجد في مرفئها، من أين أتى، ولِمن، وكيف يُخزّن؟ أسئلة كثيرة يطرحها اللبنانيون: ما سبب الإنفجار؟ ما الذي انفجر؟ من المسؤول عنه؟ من يتحمّل مسؤولية حصوله؟ من سيُحاسَب؟ وهل من يُحاسِب؟ الى حينه يبقى المشهد معقد وهل هو حريق حصل في المرفأ أم رسالة نارية ؟.