لا تزال الأنباء المتعلقة بسبب الانفجارين المتتالين اللذين هزا العاصمة اللبنانية بيروت، الثلاثاء، متضاربة، نظرا لضخامة أحدهما وغرابة شكل الغيمة التي خلفها، إلى جانب الآثار المدمرة التي تركها على أحياء العاصمة.وعلى الرغم من فداحة الخسائر البشرية والمادية فماجرى يمكن القول انه سيضاف الى سلسلة النكبات التي يعاني منها الوطن.
عندما شُكِّلت حكومة حسان دياب، كانت الأنظار تتركز على من سيتولى وزارة الخارجية، ومن سيكون خليفة جبران باسيل، وكيف ستكون سياسته في إحدى أهم الوزارات في ظل الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان وحاجته إلى المجتمع الدولي وتحسين العلاقة معه.
عندما اختير ناصيف حتّي، عوّل كثيرون على تجربته الدبلوماسية وقربه من مختلف القوى، نظروا إليه نظرة مختلفة عن الوزراء الآخرين، نظرة تضعه في خانة المستقل الفعلي عن كل التجاذبات والقادر على الإستثمار بما راكمه من علاقات أيام مسيرته الديبلوماسية.
لقد كان حتّي أحد الوزراء الذين واجهوا أكثر الضغوط وعمليات التطويق، إلى أن أُحرج فأخرج.
خرج قائلاً ظننت أنني سأعمل عند رب عمل واحد، فوجدت أرباب عمل ومصالح متناقضة. بذلك وضع حتّي إصبعه على الجرح، مشيرا إلى مكمن المشكلة وحقيقتها مع حكومة حسان دياب ورعاتها والمتحكمين بها.
إقرأ أيضا : لبنان في عين العاصفة والمخاطر تزداد
الأزمات الدبلوماسية والسياسية، الأهواء والمطامع هي التي دفعت بحتّي إلى الإستقالة. ثمة أنواع أخرى من المشاكل المقبلة التي ستواجه هذه الحكومة، سواء على صعيد الأزمة المالية، أو أزمة النفايات، أو غيرها من الوزارات، هذه كلها قابلة لتفجير الأوضاع ودفع وزراء آخرين إلى تقديم استقالاتهم.
أزمة استقالة حتّي، ستفتح الأعين الدولية أكثر على عمل هذه الحكومة وطريقة إدارتها للملفات. إستقالة وزير خارجية في حكومة ما،ه يفترض أن تهز الوضع في البلاد، وفي دول معينة قابلة لتهديد التشكيلة الحكومية القائمة. لكن في لبنان سيسعى رعاة الحكومة إلى الحفاظ عليها، واعتماد سياسة "الترقيع"، لتوفير الإنعاش والتنفس الإصطناعي، بينما الأهم في رسالة حتّي هو ما توجّه به إلى المجتمع الدولي، بأن رغبته في الإصلاح وتحقيق الإنجازات أجهضت من قبل أرباب عمل كثر، وهو يشير إلى جبران باسيل ورئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب.
سياسياً لا يمكن للحكومة أن تستفيق من سباتها بفعل الصدمات. بينما سيحاول من يحرص على بقائها تصوير إستقالة حتّي أو استقالة أي وزير آخر، أنها انطلاقة متجددة للحكومة، وهذا جزء من سياق الحملة الدعائية التي تقودها الحكومة عن نفسها، فتستثمر مجدداً بالمزيد من الوقت الضائع والمهدور من أعمار اللبنانيين، وتأخذ فرصة جديدة لتعميق الإنهيار أكثر، وسط ادعاء بأنها بعد تجديد نفسها ستنطلق بسياسة جديدة قادرة من خلالها على تحقيق الإنجازات، لكن المكتوب يُقرأ من العنوان، وستنتقل الحكومة بلبنان من أزمة إلى أخرى.
الحكومة التي تعرضت لاهتزاز كبير باستقالة الوزير حتي، وهي رسالة بالغة السلبية للمجتمعين العربي والدولي، تنذر ببدء تصدع الحكومة في لحظة سياسية بالغة الخطورة يعيشها لبنان، ما قد يفتح الباب أمام تغيير حكومي واسع، بالرغم من تعيين السفير السابق شربل وهبة وزيراً للخارجية والمغتربين بدلاً من الوزير المستقيل.
ولا تستبعد الأوساط أن يحذو حذو الوزير المستقيل حتي، عدد آخر من الوزراء الذين سبق ووجهوا انتقادات لعمل الحكومة المتعثر بسبب الخلافات التي تواجهها، بعدما سبق لهؤلاء الوزراء أن أكدوا في أكثر من مناسبة .
وإزاء هذا الواقع، وبعدما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه من تعقيد وتصعيد، فإن الوضع لا يمكن أن يستقيم ويتحسن طالما استمر الحال على ما هو عليه.
وهذا يفرض إحداث صدمة حقيقية تريح الناس وتعيد الثقة العربية والدولية بلبنان، من خلال المبادرة إلى استقالة هذه الحكومة التي لم تعد تقوى على القيام بشيء، على ما تؤكد عليه الأوساط التي ترسم صورة قاتمة لمستقبل الوضع الذي تتهدده مخاطر جسيمة، بعدما تلاشت أو تكاد، فرص الإنقاذ التي توفرت في الماضي، ولم يتم استغلالها بسبب الإمعان في سياسة العناد والمماطلة، وهو ما جعل لبنان يواجه أعتى أزمة اقتصادية ومالية في تاريخه، بعدما أحجمت الدول الشقيقة والصديقة عن مساعدته، بالرغم كل التوسلات العلنية وغير العلنية للمسؤولين الذين كانوا يكابرون ويعاندون، حتى وصل البلد إلى هذا الوضع المزري والمخيف .
وتجزم الأوساط السياسية المعارضة، نقلاً عن مصادر دبلوماسية عربية، أن لا مساعدات للبنان، إلا من خلال صندوق النقد الدولي، وبعدما تكون الحكومة الحالية، أو التي قد تشكل، قد استجابت لشروط الإصلاح، وقامت بما يتوجب عليها من التزامات، تطمئن الدول العربية والأجنبية، بأن لبنان ماض على طريق الإصلاح وتحسين صورته الاقتصادية والمالية .