منذ ما قبل نهاية الحرب الاهلية في لبنان،تضعضع وضع مؤسسات الدولة اللبنانية ومع نهاية الحرب الاهلية وإعتماد اتفاق الطائف كأساس دستوري صاغت سلطة الوصاية السورية يومها توازن دقيق وذلك من خلال التطبيق الاستنسابي لاتفاق الطائف وقامت بتنفيذه يومها الاحزاب الطائفية المتنافسة تحت شعار تحرير الارض من الاحتلال الصهيوني وهذا الواقع يومها ترجمة للتوازنات الدولية والإقليمية ما بعد الحرب الباردة، وتعايش اللبنانيون مع ثنائية عسكرية لا تزال قائمة بعد ثلاثين عاماً من نهاية الحرب.
الامر الذي ادى إلى تآكل تدريجي لدور السلطات الرسمية لمصلحة حزب الله، الذي تجاوز سبب وجوده الأول أي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وقد استخدم هذه الشرعية المعنوية ليصبح جزءً لبنانياً من الحرس الثوري الإيراني، على شاكلة الحشد الشعبي في العراق، ويتحول نفوذه المتنامي إلى هيمنة إيرانية على لبنان.
وفي ظل التطورات الإقليمية والأزمة الداخلية، التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت اليه ،يبقى السؤال البديهي الى متى سيبقى هذا البلد رهينة القوى الاقليمية بغض النظر عن كل المبررات التي يمكن ان تدخل في هذا السياق .
بعض المصادر المطلعة تقول إن تعقيدات لبنان لا تقتصر على النظام السياسي القائم على تقاسم السلطة تبعاً للتركيبة الطائفية فحسب، بل إن هذا التعقيد يكمن في تقاسم السيادة العسكرية أيضاً، بين جيش وطني نظامي وحزب مسلح يرقى إلى شبه جيش غير نظامي ويضيف أنه "في الوقت الذي يحتل الجيش المرتبة 118 عالمياً، يعتبر حزب الله القوة غير النظامية الأكثر تسليحاً في العالم. وترى أنه على الرغم من القوة القتالية للحزب التي كسبها في سوريا والعراق، يبقى الجيش اللبناني هو القوة الأولى في الميدان اللبناني وهو قادر على فرض سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية وحماية الحدود، مشيرة إلى أن السلطة السياسية هي من تغطي نشاطات الحزب على الأراضي اللبنانية.
في الواقع يُعاد اليوم طرح جدوى هذه الثنائية العسكرية التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت اليه، حيث بات التعايش مستحيلاً، إذ إن حزب الله في المحور الإيراني فيما مصادر دعم الجيش اللبناني هي أميركية وتُقدر بـ 133 مليون دولار في العام 2020.
إقرأ أيضا : لا مساعدات للبنان والمزيد من الضغوط
وهذا وضع خطير وخطر جداً على لبنان، فلا بلد في الدنيا يترك قرار الحرب والسلم في يد حزب من مذهب واحد مرتبط بولاية الفقيه، ولا سلطة تستحق اسمها إن لم تمارس حصرية السلاح في يدها وتجعل الدفاع عن البلد مهمة الجيش وحده، فكيف إذا كان الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية الوطنية مقطوعاً، والنقاش في إدارة السلاح ممنوعاً وكيف إذا كنا في هاوية أزمات نقدية ومالية واقتصادية وسياسية ووطنية، وعلينا مهاجمة العرب والغرب وإخراج أميركا من غرب آسيا دفاعاً عن مصالح طهران لبنان يستحق ما هو أفضل.
الفاتورة على لبنان المثقل اليوم بالأزمات، فهو من منظار العدو الاسرائيلي قاعدة إيرانية، والدلالة على ذلك تصريحات المسؤولين الاسرائيليين يومياً ، ومن وجهة نظر المشروع الإقليمي الإيراني مساحة جغرافية لا بلداً، وأرض ميدان لا أرض شعب عربي ضد إسرائيل.
يحبس اللبنانيون الانفاس، وهم امام اندفاعة غير مسبوقة لوباء كورونا، الذي اخذ يتمدد ويتسع في الانتشار ويزيد في عدد الاصابات، والمخاوف تزداد من هذا الوباء الخبيث وتعثر احتضان المصابين، وتوفير مراكز العلاج اللائقة والمجهزة، رغم التصريحات الايجابية لوزير الصحة وجولاته الميدانية، تاركا وراءه صدى حسرات على ما الت اليه الاوضاع، مشفوعة بسلسلة ازمات سياسية واقتصادية ومالية ومعيشية، واخرها امنية، جراء التهديدات الاسرائيلية لـحزب الله من القيام بعمليات انتقاما لاستشهاد احد قادته في سوريا قبل فترة .
يسجل للبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي موقف للتاريخ، بدعوته لحياد لبنان عن النزاعات والصراعات الخارجية، مع تأكيد العداء لاسرائيل، وهو يتصرف بعقلانية لافتة، ازاء المواقف التي تترجم دعوته، بل وتكفرها، على خلفيات طائفية، مسيسة بامتياز.
ختاماً لبنان ليس في وضع صحي سليم، وهو على وشك الانهيار والغرق وهو اصبح اليوم واكثر من أي وقت مضى في عين العاصفة ، لبنان حتماً في موقع العداء مع اسرائيل ، لكنه أيضاً ضدّ الهيمنة الإيرانية ويريد أن يعيش حراً ويبني اقتصاداً ومستقبلاً مزدهراً.