أتت العملية العسكرية التي نفذها حزب الله ضد موقع عسكري إسرائيلي في منطقة مزارع شبعا المحتلة لتحمل مؤشرات ودلالات عديدة في هذا الظرف الإقليمي والدولي المتشابك، منها استمرار التزام الحزب بالرد الانتقامي وتبادل الرسائل ضمن حدود مزارع شبعا اللبنانية، وهي المنطقة التي ما تزال موضع أخذ ورد وخلاف ومتنازع عليها ولم يتم التوصّل إلى أي تسوية نهائية بخصوصها.
إصرار الحزب على إبقاء لبنان أسير مشروع الهيمنة الإيراني كما هي الحال مع بعض الدول العربية والاستمرار باستعماله كدولة مواجهة تدور في الفلك والطموحات الإيرانية وساحة من ساحات المواجهة بين إسرائيل والولايات المتحدة مع إيران، بالرغم من رفض قسم من اللبنانيين لهذا الاستئثار ومعارضتهم القوية لمثل هذا الخيار الذي الحق الضرر الكبير بلبنان .
كذلك الرد غير المباشر على الحملة التي يقودها البطريرك الماروني مار بشارة الراعي لتحييد لبنان ، وابلاغ من يعنيهم الأمر بأن الحزب يرفض هذه الدعوة التي يعتبرها ضمناً انها موجهة ضده، حتى ولو حظيت بدعم وتأييد أطراف محليين ودوليين .
ايضاً رفض كل الدعوات المحلية والإقليمية والدولية لوضع سلاح حزب الله تحت سلطة الدولة اللبنانية وقرارها من جهة، واستباق أي قرار دولي ولا سيما ما يتردد عن احتمال تضمين قرار إعادة التجديد لقوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان دعوة مشددة لوضع سلاح الحزب بأمرة الشرعية اللبنانية وتحت سلطتها
ولذلك فإن تصرف الحزب على هذا النحو وتحت ذريعة الرد على مقتل عنصر من عناصر الحزب بعملية عسكرية إسرائيلية، يعني الإصرار على استعمال لبنان كصندوق بريد متجاوزاً الدستور خدمة لمشروعه الإقليمي.
لبنان لم يعد بإمكانه احتمال الكلفة الباهظة للحرب، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية المالية الخانقة في لبنان. من هنا فإن قيام الحزب بتنفيذ عملية عسكرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، يأتي أيضاً في إطار ترجمة عملية لامساكه بمفاصل السلطة ومصادرته للحياة السياسية، لاجهاض أي تحركات أو خطوات على مستوى السلطة تكبح جماح تحركه بمعزل عن قرار ومصلحة الدولة اللبنانية .
إن إبقاء لبنان معلقاً في إطار الصراع الإقليمي الدولي الذي يشهد بهذه المرحلة بعض مظاهر المواجهة الاميريكية الاسرائيلية من جهة وغيران من جهة ثانية وف هذا السياق ياتي القصف الإسرائيلي على المواقع الإيرانية ومستودعات الأسلحة في سوريا، إلى اعتراض طائرات حربية أميركية لطائرة شركة ماهان التجارية للركاب في الأجواء السورية، والاتفاق الإيراني السوري في مجال الدفاعات الجوية لسوريا مروراً بعقوبات قانون قيصر.
إقرأ أيضا : لبنان عضو في نادي الدول الفاشلة
الامر الذي سيُحمل اللبنانيون مضاعفات سلبية لهذه الممارسات،التي سيترتب عليها زيادة المقاطعة العربية والدولية للحكومة والدولة اللبنانية والتشدد في مد يد العون وتقديم المساعدات المادية المطلوبة لحل الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي يعانيها لبنان حالياً . على لبنان أن يبقى إلى جانب الحق. لكن بات الواقع اللبناني ملح اكثر من أي وقت مضى لخروج لبنان من دور أن يكون صندوقة بريد لصالح المشاريع الاقليمية لذلك حزب الله يدرك أن وصول طرح الحياد إلى أهدافه سيؤدي في نهاية المطاف إلى طرح مسألة سلاحه وحصر قرار الحرب والسلم مع إسرائيل بيد الدولة عبر استعادة النقاش حول استراتيجية لبنان الدفاعية، وكيفية الإفادة من سلاحه بوضعه تحت إمرة الدولة اللبنانية.
سيبقى لبنان يعيش حالة ترقب صعبة خصوصاً بهذه المرحلة التي سيكون لها وقعها على صعيد الواقع السياسي، لا سيما مواقف البطريرك الراعي التي قلبت كل الموازين، وكان لها الأثر البالغ في دفع الأمور قدماً نحو إيجاد الحلول الناجعة، وتعتبر من أبرز ما شهدته الساحة اللبنانية منذ فترة طويلة لما تمثله بكركي من مرجعية مسيحية ووطنية لها وزنها ودورها، وعلى هذا الأساس هناك ترقب لما ستكون عليه هذه المواقف بعد موقف البطريرك وحيث يؤشرهذا الموقف إلى وضع سياسي مغاير عن المرحلة الماضية بكل ظروفها .
فإنّ الدعوة إلى تحييد لبنان عن صراعات المنطقة يفترض أن تتجاوز اللعبة السياسية الداخلية، وتتحوّل إلى دينامية وطنية باعتبار أنّ الأزمة الراهنة أزمة وجودية يقتضي التعامل مع تبعاتها التفكير في موقع لبنان ودوره ووظيفته في المنطقة والعالم.والتأكيد على ضرورة عدم الاصرار على إبقاء لبنان صندوق بريد لأنه سيزيد من معاناة اللبنانيين.