وأخيراً أقرّ مجلس الوزراء موضوع التّدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان المركزي، وذلك بعد استبعاد شركة Kroll، بحُجّة وجود علاقة للشركة المذكورة بإسرائيل، ليتبيّن فيما بعد أن هذه الحجّة مشبوهة ومُصطنعة،ولم يكن وراءها سوى عرقلة التدقيق الجنائي واستبعاده نهائياً، لئلاّ يطال كبار المسؤولين المُتورطين في الفساد وهدر المال العام والاثراء غير المشروع وصرف النفوذ وتكديس الثروات، وأمام تصاعد الاعتراضات على عدم إجراء هذا التدقيق، تراجع مجلس الوزراء وكلّف وزير المالية( وزير الرئيس بري المُعارض الشّرس للتّدقيق) البحث عن شركة تدقيق جديدة، تكون " قريبة" من تيار المقاومة والممانعة، ومُعادية للصهيونية العالمية ودولة إسرائيل، وفعلاً وقع الاختيار على شركة " ألفاريز اند مارسال".
وللغرابة كما يقول الخبير الاقتصادي محمود زبيب أنّ هذه الشركة ليست مُتخصّصة في التدقيق الجنائي على عكس شركة كرول، وهذا سينعكس بالطبع على نتائج عملها وجودته ومستوى الثّقة به، فضلاً عن أنّ أحد مُدرائها التنفيذيّين المدعو " جوزف بيراردينو" هو الرئيس السابق لشركة " آرثر أندرسون" التي أُقفلت عام ٢٠٠٢ بعد إدانتها في المحاكم الأمريكية بإتلاف أدلّة جُرمية في قضية إفلاس شركة " أترون" وإخفاء عمليات احتيالية ورشاوى قامت بها "أترون".
إقرأ أيضا : الحياد ينضم قريباً إلى ورقة بعبدا.
والأغرب من كل ذلك أنّ الحكومة فضّلت التعاقد مع شركة ألفاريز الأعلى سعراً وتكلفة، ففي حين كانت كرول مُقتنعة بمبلغ خمسمائة ألف دولار ، وشركة ثانية تقبل بعقد لا يتجاوز مليون ومائتي ألف دولار، في حين أنّ عقد الشركة المحظيّة "آلفيز" هو مليونان ومائتي ألف دولار، وذلك ربما لتأمين أفضل العمولات الخاصة لمن قدّموا هذه الشركة على غيرها من الشركات، وهي كما يظهر لن " تشيل الزّير من البير"، ولتُثبت لنا من جديد ما هو ثابتٌ أصلاً: إنّ هذه العصابة من المافيات وأمراء الحرب الأهلية لا يمكن لهم أن يلبسوا فجأةً لباس الطهر والعفاف، ويبحثوا عن مكامن الهدر والفساد، وهم أدرى به، لا بل هم صانعوه والمستفيدون منه، وأنّ محاولات " الإصلاح" المزعوم ما هي إلاّ أُلعوبة سخيفة ستُضاف إلى إنجازات الرئيس دياب وحكومته التي زادت على ال97%.