في لبنان على الرغم من كل الكوارث،هناك من يقول مررنا بظروف أصعب، وقوى الجحيم لن تقوى على لبنان. اليوم وفي ظل الازمة السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية المعقدة، حث البطريرك بشارة الراعي السير على خطى اسلافه، باطلاقه صرخة وطنية مدوّية، داعياً رئيس الجمهورية إلى فك الحصار عن القرار الوطني والشرعية، وذلك بعدما اقتنع بأن هناك قوى داخلية مرتهنة للخارج، باتت تهيمن على القرار الوطني، وتسيطر على معظم مفاصل الدولة الأساسية، وبما يعطل كل المبادرات الإصلاحية بدءاً من تشكيل حكومة مستقلين، ووصولاً إلى وضع رؤية إصلاحية، تؤمن خروج لبنان من مأزق انهيار اقتصادي ومالي مرعب .
يبدو جلياً، وبعد مرور اسبوع على إطلاق هذه الدعوة على لسان سيد بكركي، على اعتبارانها لم تأت نتيجة صدمة تسبب فيها حادث عابر، بل جاءت لتعبّر عن تقييم واقعي للتهديدات والمخاطر الكبيرة التي يواجهها لبنان جراء جرّه لخدمة مشروع إقليمي. كما يبدو، بأن دعوة سيد بكركي بفك الحصار عن الشرعية قد لقيت تجاوباً وطنياً اسلامياً ومسيحياً واسعاً، بحيث يمكن أن تتحوّل في القريب العاجل إلى مساحة مشتركة للقاء سياسي واسع، يُشكّل حركة وطنية سيادية تنادي بتحييد لبنان وباستعادة القرار السيادي الحر والكامل. تأتي هذه الدعوة من قبل البطريرك في وقت يتسم فيه الوضع اللبناني بدرجة عالية من الخطورة والحراجة، وبما يذكرنا بمحطتين تاريخيتين الأولى، بيان بكركي الذي صدر في أيلول عام 2000، والذي شكل خطوة أساسية على طريق اخراج الجيش السوري من لبنان، والثانية، التوقيع على إعلان بعبدا من اجل حياد لبنان، والذي جاء نتيجة حوار وطني قاده الرئيس ميشال سليمان في عهده، والذي تحوّل إلى وثيقة دولية معتمدة من قبل الامم المتحدة والجامعة العربية .
إقرأ أيضا : المطلوب تصحيح علاقات لبنان مع محيطه العربي
السلطات السياسية تكشر عن انيابها في مواجهة اللبنانيين، الذين يعانون الامرين، جراء ما الت اليه الاوضاع السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية، كما وانهيار سعر صرف الليرة، امام حرب الدولار الاميركي، ولا من يسأل ولا من يحاسب، وليس على شفاه هذه السلطات سوى وعود بـالانقاذ تتراكم يوما بعد يوم، وتبقى حبرا على ورق، مهما طال الزمن وتراكمت الازمات وقد دخل على خط محاولات الانتحار، منذ يومان، مواطن لبناني، رمى بنفسه عن جسر برج حمود احتجاجا على ما الت اوضاعهم المعيشية لكنه لم يفارق الحياة.
وقد خلص احد ابرز متابعي التطورات الى القول الى ان هذا البلد الذي شكل في الماضي سويسرا الشرق يتعرض لضغوط دولية واميريكية غير مسبوقة. لبنان في مأزق وعلى وقع تفشي كورونا، دوليا واقليميا ولبنانيا، وقد اعلنت وزارة الصحة عن اجراءات وقائية، مشفوعة بتغريم المخالفين ماليا، وذلك بالتقاطع مع سلسلة ازمات،داخلية متعددة العناوين والمضامين، والدول الصديقة تطالب المسؤولين في البلد الكف عن هدر الوقت والعمل بجدية من اجل تنفيذ الاصلاحات المطلوبة. وقد افصح صندوق النقد الدولي عن ان الهوة تكبر بينه وبين الوفد اللبناني الرسمي المفاوض.
بعد ايام من مغادرة مسؤولين اميركيين، فان الانظار تتجه الى مطلع الاسبوع المقبل، حيث سيحل ضيفا على لبنان، وزير الخارجية الفرنسية ويلتقي الرؤساء الثلاثة عون وبري ودياب، كل في مقره، كما والعديد من الشخصيات السياسية وغير السياسية، في مقر السفارة، وقد مهد الوزير الفرنسي لزيارته اللبنانية، بسلسلة ملاحظات غير ديبلوماسية وهي زيارة لم تأت من فراغ، وليست بروتوكولية، وهي كانت مقررة منذ ثلاثة اسابيع وارجئت بسبب الحضور الاميركي المتعدد الاوجه وما تركه من مواقف وتداعيات ماتزال محط حوارات في العديد منها واعتراضات.
اسباب عديدة عززت من اهمية قرار فرنسا احدى ابرز دول القارة العجوز اوروبا العودة الى وطن الارز لبنان، بالتقاطع مع الذكرى المئوية الاولى، لولادة لبنان الكبير ولايخفي مسؤولون فرنسيون من النخبة قلقهم على ما الت اليه الاوضاع في هذا البلد وخيبة املهم، لان سياسات الحكومات اللبنانية، وعلى مدى سنوات، فشلت في تحقيق الاصلاحات المطلوبة، ان على مستوى الكهرباء، وان على مستوى الوضع المالي والموازنة العامة، حيث النفقات كبيرة للغاية، وان على الاصلاح القضائي، كما والاصلاح على صعيد السرية المصرفية، على ما قال السفير الفرنسي في لبنان، برونو فوشيه.
في هذا الإطار،هناك معلومات تبدلٍ كبير حصل في الموقف الفرنسي لناحية تناغم باريس مع واشنطن والدول الغربية في فرض العقوبات على إيران وحزب الله وحلفائهم في لبنان، وهذا الموقف عبّرت عنه الخارجية الفرنسية ما يؤكد بأن الدعم الذي يتوقعه البعض أكان من فرنسا او من الدول المانحة، ولا سيما الخارجية، لا يشي بأي دعم سيحصل من هؤلاء الذين يأخذون على الحكم والحكومة في لبنان بأنهم يسيرون وفق الأجندة الإيرانية ومن خلال تعليمات
حزب الله .
نحن اليوم على مقربة من الاحتفال بمئوية لبنان الكبير، حيث لم يعد للاحتفال معنى وواصبح الخوف أكبرمن أن يضيع لبنان. ومع تراكم الأزمات الخطيرة التي يمر بها البلد، والقلق من المستقبل. وما يشغل المسؤولين القاصرين عن مواجهة التحديات الكبيرة، والمقصرين في تأمين الحد الأدنى من الخدمات للمواطنين، حيث أصبح البلد على مفترق طرق وعرة نتيجة تراكم الازمات الداخلية والضغوط الدولية .حمى الله لبنان .