تتصاعد على الساحة اللبنانية أحاديث عن ضرورة استقالة الحكومة الحالية، بعد "الفشل الذريع" في معالجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية المستمرة منذ أشهر، وفي ظل ضغوط داخلية وخارجية.
ويرى محللون سياسيون أن هذه الأحاديث سقطت، على الأقل في هذه المرحلة، مع إصرار "حزب الله" (المدعوم من إيران عدوة الولايات المتحدة) على عدم سقوط الحكومة الحالية المشارك فيها.
ويعاني لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، ما فجر احتجاجات شعبية مستمرة منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، رافعة مطالب اقتصادية وسياسية.
ودعا سياسيون لبنانيون إلى استقالة الحكومة، في ظل تعمق الانهيار المالي في البلاد، مع طلب البعض عودة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، ليقود حكومة تخلف الحالية.
وأجبر المحتجون حكومة الحريري على الاستقالة، في 29 أكتوبرالماضي، وحلت محلها الحكومة الراهنة، برئاسة حسان دياب، في 11 فبراير/ شباط الفائت.
الحريري، رئيس تيار المستقبل، وفي دردشة مع صحفيين الأسبوع الماضي، قال إن "الفراغ مدمر للبنان، والفرصة للإنقاذ قائمة، والحل بتغيير الآلية والمحاصصة، وبناء البلد على أسس جديدة".
وأعلن شروطا للعودة إلى رئاسة الحكومة، مضيفا: "لن أغطي أحدا قريبا مني لترؤس أي حكومة".
وضمن عدم الرضا عن حكومة دياب، قال رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، الثلاثاء: "لا نقبل بهذا النمط من قلة الإنتاجية بالمرحلة الأخيرة، وعليها (الحكومة) الإسراع في تنفيذ الإصلاحات، وقد لا تستمر إذا فشلت في فعل المزيد".
وبعد اجتماع مع الحريري، رأى نائب رئيس البرلمان إيلي فرزلي، المقرب من التيار الوطني الحر وحلفائه "حزب الله" و"أمل"، أن "إعادة النظر في تشكيل الحكومة أصبح ضروريا".
واعتبرت وزيرة المهجرين غادة شريم، في مقابلة مع إذاعة "صوت لبنان" السبت، أن "التغيير الحكومي ممكن في أي لحظة وفي أي ظرف من الظروف. المهم هو إيجاد حلول لإنقاذ البلاد".
وذهب وزير الطاقة ريمون غجر، في مقابلة منفصلة مع الإذاعة، إلى أن أعضاء الحكومة شككوا في "فائدة الاستمرار في ضوء عدم الإنجازات".
وتابع أن أعضاء مجلس الوزراء، بمن فيهم دياب، لا يعارضون تغيير الحكومة، إذا "حسن وضع البلد"، مشتكيا من أنه "يجب أن يتحمل عبء عشرات السنين من السياسات التي وضعت البلاد على حافة الهاوية".
** واشنطن و"حزب الله"
يقول الصحفي منير الربيع، للأناضول، إن "جميع المعطيات تفيد بأن موعد إسقاط الحكومة لم يحن، بعدما حاولت بعض القوى السياسية، بما فيها التيار الوطني الحر، طرح هذه الحكومة للبيع، لعل ذلك يخفف الضغوط الأمريكية، ولكن لم يكن هناك أي استجابة".
ويرى أن "حزب الله (حليف طهران والنظام السوري) لا يزال متمسكا بالحكومة، ولن يتخلى عن هذه الميزات والسيطرة على حكومة تمنحه الشرعية الرسمية والشعبية والمؤسساتية".
ويضيف الربيع، أن "دياب يعمل وفق ما يُملي عليه حزب الله، والدليل دعوة أمينه العام (حسن نصر الله) إلى التوجه شرقا نحو العراق وإيران والصين (بحثا عن حلول للأزمة الاقتصادية)".
ويعتبر أنه "في المدى المنظور لا بديل عن هذه الحكومة بالسياسة.. وعلى القوى السياسية، التي تجتمع دوما من رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، والحريري، تحسبا في حال سقوطها (الحكومة) في المرحلة اللاحقة، أن تكون لديهم خطة جاهزة".
ويتابع أن "واشنطن تعتبر أن الحكومة سقطت، ولا يمكن التعامل معها، ولا يمكن حصولها على مساعدات، لذلك الضغط سيشتد عليها في الأيام المقبلة".
ويقول الربيع، إن "المطلب الأمريكي هو تشكيل حكومة مستقلين، لا علاقة لهم بالقوى السياسية، لكن حزب الله يرفض هذا الأمر قطعا، وهو متمسك، حتى لو سقطت هذه الحكومة، أن يكون شريكا في أي حكومة أخرى.. وفي حال سقوط هذه الحكومة من المستبعد أن تتشكل أخرى بوقت قريب".
** لا اتفاق على البديل
وفق قاسم قصير، محلل سياسي مقرب من "حزب الله"، فإنه توجد أحاديث كثيرة عن إسقاط الحكومة، "لكن حتى الآن لم يتم الاتفاق على ذلك".
ويقول قصير، للأناضول، إن "الشرط الأساس لاستقالة الحكومة هو الاتفاق على البديل، سواء من يتولى التشكيل أو برنامج العمل، وهذا لم يحصل".
ويعتبر أن "الضغوط مستمرة، داخليا وخارجيا، لإسقاط الحكومة.. وعودة سعد الحريري مطروحة، لكن لديه شروط صعبة".
ويرى قصير، أن "الحكومة مستمرة، ولو بقوة أمر الواقع، إلا إذا تطورت الضغوط الداخلية والخارجية، أو تم الاتفاق على البديل".
واتهم نصر الله، في 16 يونيو/ حزيران الماضي، واشنطن بمنع وصول الدولارات إلى لبنان، لخنق اقتصاده.
وذكرت صحيفة "الأخبار" المحلية، مقربة من "حزب الله"، الإثنين، أن السفيرة الأمريكية لدى لبنان دوروثي شيا، أرسلت إلى دياب، عبر أصدقاء مشتركين، "رسائل قاسية اللهجة" تتهمه فيها بأنه ينفذ أجندة "الحزب" في الحكومة، رافضة انفتاح بيروت على التعاون مع بغداد وبكين.
ومع بدء توليها المسؤولية، تعهدت حكومة دياب بأنها "غير سياسية"، وستعالج "الفساد المستشري"، وتحشد الدعم الدولي للبنان.
وأقرت الحكومة، نهاية أبريل/ نيسان الماضي، خطة إنقاذ اقتصادية، تستمر 5 سنوات، وشرعت في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لتمويل هذه الخطة، لمعالجة أزمة دفعت لبنان إلى تعليق سداد ديونه.
لكن هذه المفاوضات توقفت، مؤخرا، حيث لم يتمكن المسؤولون اللبنانيون من الاتفاق على حجم الخسائر في القطاع المصرفي بالبلاد.
ولم تتمكن الحكومة من احتواء انخفاض الليرة اللبنانية، التي فقدت أكثر من 80 بالمئة من قيمتها منذ أواخر 2019، بجانب ارتفاع معدلات البطالة والتضخم.
كما يعاني لبنان نقصا كبيرا في الوقود، ما أدى إلى انخفاض كبير في إنتاج الكهرباء وارتفاع أسعار السلع "بشكل جنوني".
ويطالب المحتجون برحيل الطبقة السياسية، التي يحملونها مسؤولية "الفساد المستشري" في مؤسسات الدولة، ويرون أنها السبب الأساسي للانهيار المالي والاقتصادي في لبنان.