لم تنتهي مخططات موسكو واحلامها التوسيعية والاستخباراتية، لكن الانهيار الاخلاقي والاجتماعي والايديولوجي والسياسي والمالي والدبلوماسي منعها من متابعة مهامها التي لا تنتهي فهمة رجال المخابرات لا تنتهي مدة خدمتهم لانهم هم رجال دائما في الخدمة .
بعد عودة روسيا الى الحلبة الدولية لاستعادة دورها المفقود او بالأصح الذي تخلت عنه طوعيا بسبب تراجع دورها وضعفها على الحلبة الدبلوماسية، باتت تظهر اعمالها الاستخباراتية الواضحة ، لقد استبدلت برلين بطهران والاممية الحمراء بالأممية الخضراء حيث بات رجال التطرف الاسلامي بشقيه السني والشيعي مركز اهتمام موسكو في العمل لمصلحة اجندتها الخاصة ، لقد نشطت المخابرات الروسية مجددا فكانت ايران الراعي الجديد للإرهاب والضغط من خلال شبكاتها الواسعة في القارات الخمسة المرتبطة بطريقة معينة وخاصة لكن شعارها الربط المذهبي والرابط القومي لان القضية الفلسطينية شماعة العمل هذه المجموعات التي باتت روسيا تراقب تحركاتها وتشاهد اعمالهم من خلال الشاشة الخاصة .
فاذا حاولنا اخذ صورة سريعة للبانوراما الجديدة لعملية التصعيد واساليبه المتبعة في العالم واوروبا تحديدا ، فإننا نرى كيف ساعدت روسيا المتطرفين واستخدامهم في اوروبا التطرف الاسلامي المتشدد واليمين الاوروبي المتشدد ، فالخطة الروسية كانت تعتمد على اثارة الخوف في اوروبا من خلال انتشار التطرف الاسلامي فلأعلام الروسي كان الاول من بشر قادة اوروبا والعالم بوصول خلايا (داعش ) اليهم نتيجة هجرتهم القصرية ومغادرتهم من سوريا التي تخوض موسكو فيها حربا واسعة وانتقامية من خسارتها في افغانستان والشيشان ، وناحية ثانية كانت تستخدم هذه الدعاية للتأثير على التطرف اليمني الاوروبي الذي باتت روسيا تنسج علاقات واضحة معه ومساعدته سياسيا وماليا من اجل احداث شرخ كبير في الداخل الاوروبي من خلال رفعه لشعارات شوفنية ضد المهاجرين.
على سيبل المثال لابد من الوقوف امام العمليات التي قات بها (داعش) في اوروبا وتحديدا في ست اوروبية ، ( اسبانيا النروج ، المانيا ، بريطانيا وبلجيكا وفرنسا )، هذه الدول كانت سياستها تقوم على دعم المعارضة السورية ضد نظام الاسد ، فكانت العملية التي استخدمت عرب من حاملي جوازات هذه الدول ومن الذين قاتلوا في سوريا في لواء التطرف السني الذين تدربوا جميعا في ايران وقاتلوا في افغانستان .
فالصورة تدفعنا للبحث والتحقيق بنوعية العمليات التي استخدمت المتفجرات والعبوات وصولا الى الاسلوب الحديث الذي استخدم لأول مرة في عمليات القتل وهو الدهس للأبرياء بواسطة السيارات المدنية او القتل بدم بارد بواسطة سلاح ابيض. هذه الاسئلة تطرح نفسها لماذا في هذه الدول بالوقت الذي يشكل الاتحاد الاوروبي اكثر من 29 دولة ، وايضا كيف خرج هؤلاء المتطرفين من بلد يعاني اصعب الظروف ، وكيف تم ادخالهم الى اوروبا مجددا .
على كل الاحوال لقد مكنت ايران التطرف السني والشيعي من تنفيذ العديد من العملية البشعة بحق المدنيين من خلال عملية الدهس بالسيارات او مهاجمة الأبرياء بالسلاح الابيض او زرع عبوات ناسفة وتفجيرات قوية كانت (داعش) تتبناها في كل الاتحاد الاوروبي، وروسيا لم تكن بعيدة عن ذلك الضغط .
فكل عمليات (داعش) المزعومة ضد الابرياء كان هدفها تسعير الاجواء الاوروبية بالوقت الذي كانت فيه اسرائيل وايران بعيدتان عن نيران الحركة الارهابية .
لقد استطاعت روسيا دون اي شك بالاستفادة من هذا الجو المرعب الذي ساد دول اوروبية معينة ، حيث كانت هذه الدول تدعم المعارضة السورية وهي ضد نظام الاسد ....
لقد ساهمت روسيا بممارسة دعاية ترويجية تحريضية كثيفة في اوروبا لتسعير لهيب الاحزاب المتطرفة التي باتت تحقق الفوز والانتصار الذي لم تشهده اوروبا سابقا.
اقرأ أيضا : امريكا تفكك اذرعة روسيا في المانيا الشرقية وفي طهران (1-2)
عند دخول القوات العسكرية الروسية المعارك، كانت تشن الهجمات ضد القرى والمدن المحررة من النظام في سورية من اجل التهجير وقد ساعدتها تركيا بهذه الورقة التي كانت تضغط من خلالها على الاتحاد الأوروبي فموسكو من خلال اعلامها وقنواتها الدبلوماسية هي اول من رفع الصوت عاليا بوجه المهاجرين السورين واتهامهم بانهم ارهابيون، كون موسكو ترى بالثورة والثوار ارهابيين لانهم ضد الاسد .
صحيح بان الارهابيون سلكوا طرقاً غير شرعية للوصول الى اوروبا لأهداف خاصة بالتنظيم ورجاله مستغلين اوجاع الناس التي هربت من بيوتها خوفا على ارواحها لكونها ضد الحرب والدمار الذي مارسه الاسد وروسيا وايران ضدهم .
لكن الروس بالأساس كانوا قاصدين اثارة الموضوع للتأثير وليس لملاحقة واعتقال العناصر الارهابية لان روسيا لديها جهاز امني كبير يمكنه من ملاحقة العناصر التخريبية او اعطاء الاسماء والمعلومات لزملائهم في الاجهزة الاوربية من خلال التنسيق.
فايران وروسيا شكلا عمود اساسي في هذه الحملة الدعائية و عملية التجنيد لان وزير الامن الروسي دائما كان يدلي بتصريحات بان عدد المقاتلين في سورية من روسيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق قد وصلوا الى 7 الاف مقاتل ، ولكن السؤال الذي يتهرب منه النظام الروسي بان روسيا كانت باستطاعتها عدم السماح لهم بالخروج وبل ملاحقتهم قانونيا وامنيا ، لكنه دائما يبتعد عن تحديد الطرق التي يسلكها هؤلاء المقاتلين الخضر ، ولكن بالحقيقة الجميع يعرف بالطرق وكيفية التسهيلات التي يتلقونها من تركيا وايران وروسيا .
ووفقا للاستعراض الذي اشرنا اليه لم تقوم روسيا في استخدام الضغط على تحقيق رغباتها ومصالحها فآنها تسلك هذه الطرق الملتوية والغير مباشرة لتحقيق المصالح الخاصة والضيقة .
روسيا التي تباهت منذ صعود نظام الرئيس بوتين بانها تملك سياسة الاتصال والتواصل مع الجميع دون وضع فيتو على احد عكس الولايات المتحدة فإنها كانت تمسك الملفات من النصف فهي تناجي المعارضات المتطرفة ووتنسق مع الانظمة وكلنا يذكر زيارة وفد حماس الرسمي الى موسكو والاعلان عند دعم الحركة وقتها بمبلغ خمسين مليون دولار كاش ، وكذلك التنسيق مع المنظمات الحشدية الولائية العراقية والحرس الثوري الايراني وتحديدا فيلق القدس الذي زار قائده قاسم سليماني العاصمة موسكو في اب عام 2015 طالبا من موسكو التدخل في سوريا لصالح النظام .
بالإضافة الى زيارة وفد الحوثي الى موسكو والتمرد الروسي على القرارات الدولية بعدم سحب بعثتها الدبلوماسية كباقي الدول من العاصمة صنعاء، بعد اعلان النظام الحالي الانتقال الى العاصمة مؤقتة عدن.
ولا يمكن تغيب التنسيق والعلاقات الجديدة مع حزب الله اللبناني الذي بات يرتبط بموسكو بعلاقات وثيقة وخاصة .
بالوقت الذي تملك روسيا علاقات مميزة ومتينة مع النظام الايراني والسوري الممثل بالتنسيق العالي للقضايا والامور المتعلقة بالمشاكسة في المناطق العربية، والضبط التام بما يتعلق بالعلاقة مع الدولة العبرية التي تبط ايقاع التوازن معهما وخاصة بظل القصف الصهيوني المستمر للمواقع الايرانية الملشياوية والسورية في سورية بظل سيطرة كاملة على الاجواء الاقليمية السورية من قبل الروس ونظامها الصاروخي
من هنا لابد من القول بان امريكا مضطرة بحسب مصالحها الوصول الى حل في لجم ايران وادرعتها الولائية المنتشرة في الدول العربية التي باتت تشكل تهديد مباشر للسيادة الوطنية والقومية للأمن العربي والاقليمي من خلال تحديد دورها واجبارها على الجلوس للتفاوض برزمة كاملة متكاملة تحدد فيها دور ايران القادم والذي لا يتعدى حدودها الجغرافية لأنها باتت عبء على الجميع فالحصار جدي بالنسبة للإدارة الأمريكية والتفكيك والفصل بات ضروري من اجل استقرار المنطقة وعدم السماح باستخدامها كدولة مارقة .
ايران تخاف الجلوس على الطاولة لان الجلوس سوف يلزمها بمواقف والخروج بالتوافق او الرفض لذلك تحاول الاطالة في عدم التفاوض تحت حجج واهية قد يلعب بهم الروس لان ايران ورقة مهمة في اجبار امريكا بتقبل الامر الواقع ومفاوضة روسيا على ملفات وقضايا كثيرة تسعى روسيا لتحقيقها بالرغم من ان الهامش يضيق وتشرين الثاني بات قريب وربما فوز ترامب سيكون صاعقة كبيرة على تفكير الروسي وتصرفات الايراني... لكن فوز الادارة الحالية او الادارة الجديدة بات الجميع يعلم بان تصرفات ايران سيكون له الضرر على امريكا نفسها.
خالد ممدوح العزي .
صحافي وكاتب لبناني.
مختص بالشؤون الروسية والدول الاوروبية .