من قال أن النقيضان و الضدّان لا يجتمعان فليأتي من لحده و من يعتمد هذا القول و هذه المعادلة فليأتي من مهده الى عوكر ليرى بأمّ عينه كيف يجتمع المؤمنون و غير المؤمنيين في حيّز جغرافي و في وسط سياسي و في حنجرة واحدة تكبيراً و تكفيراً لأميركا صاحبة الفضل في احتواء أحزاب قاتلت بعضها البعض و دفنت بعضها البعض في حروب هستيرية لا مثيل لها بين البيئات الإجتماعية المتشابهة و لو اختلفت مجدداً لأراقت دمها دفاعاً عن مصالح مزينة بالإيمان و الكفر .
لعن الله ماضي الفتن التي استباحت اللبنانيين أحزاباً و طوائف بحيث لم يبق حزباً و سيفه في غمده أو طائفة لم تستعمل بندقية ضدّ نفسها و ضدّ الآخرين و هذا يطال كل من مرّ من هنا أو هناك و في هذا الشارع أو ذاك منذ الحرب الأهلية و من قبل الحرب أيضاً و حتى الساعة الفاقدة لثواني و دقائق الذاكرة .
إقرأ أيضا : حكومة جاكي شان توجهي شرقاً!!
إسلاميون و شيوعيون و قوميون شكلوا على مدار التجربة السياسية العربية أسوأ التجارب الحزبية إذ أنهم تقاتلوا و تكافروا منذ نشأة التيارات الثلاثة في المشروع العربي النهضوي و كانوا في لبنان أكثر شراسة في عدائهم لبعضهم البعض اذ وفّرت الحرب في لبنان سلاحاً مباشراً للتعبير عن عداء لم يُكن للعدو نفسه و هذا ديدن التجربة العربية القومية ببعثها و ناصريتها حيث تم تصفية الخصمين الأساسيين لهذه التجربة من إسلاميين و شيوعيين كما أن التجربة الشيوعية استخدمت أدوات الموت و القتل ضدّ الإسلاميين في أفغنستان كم هو حال نظام نجيب الله ولا تخلو التجربة العراقية في المرحلة المحسوبة على الشيوعيين من تنكيل دائم بالإسلاميين .
ربما لم تكن ظروف الماضي كظروف اليوم وربما لم تكن أميركا كما هي عليه اليوم من شيطنة و ربما هناك أسباباً مجهولة و أخرى معلومة لم تستطع من جمع التناقضات في جبهة واحدة كما هي حال اليوم حيث بات المُعجزُ سهلاً و بيد عبد سياسي ولا حاجة للنبوّات كي تعجز الناس فمن يملك درهماً أو ديناراً أو ذهباً و فضّة أي ان الدولار له قدرة فائقة على جمع و حشد المختلفين في دائرة واحدة كما أنّ للمصالح السياسية قدرة هائلة على جمع المختلفين في حقل واحد كما أن للعصبيات الإيديولوجية دوراً كبيراً في جعل المتناقضين بلا تناقض و للعدو أيضاً الدور الأساس في لمّ شمل المختلفين و جعلهم عصبة واحدة فكيف والعدو أميركا الإمبريالية بالنسبة للشيوعيين و الشيطان الأكبر بالنسبة للإسلاميين و الدولة الإستعمارية بالنسبة للقوميين .
إذن نحن أمام أسباب متعددة بررت لكل هذه التناقضات الفكرية أن لا تتناقض في عوكر فلا إثم في أن تحمل المرتدية للعباءة الإسلامية علم الحزب الشيوعي ولا يعتبر حمل الراية الإسلامية من قبل شيوعية كافرة بعقيدة الرايات نصرة للظلاميين غير المستنيرين من أهل الإسلام السياسي و الجهادي كما شاع هذا الوصف لكل التيارات الدينية الإسلامية من قبل الأحزاب الشيوعية .
ربما يقظة بعد نوم مُسن عن التعاون و ربما لعبة المحاور و ربما ألف ربما المهم أن في لبنان ما يكرّس سياسات الإختلاف بين أحزاب تقودها نزعات إيديولوجية مصطفة خلف محور يتقلص و يتمدّد بحسب المصالح و بين عائلات و شبكات سياسية هي أشباه أحزاب تصطف خلف أشباح غير مرئية تذيقهم فيه أميركا سُمّ التعاطي الإيجابي معها في حين أنّها تعطي أخصامها المصل اللازم للبقاء أحياءً و ميسوري الأحوال .