تُجمع التقارير الديبلوماسية والإستخبارية على الحديث عن مخاوف وهواجس امنية متعددة، تحتسب في شكلها ومضمونها المتوقّع، ربطاً بالمناطق الحساسة المرشحة لها وقياساً الى حجم النزاع الدائر في المنطقة، من دون إغفال ادوار المجموعات المنظمة، التي يمكن ان تستغل اي خلل سياسي او حزبي، للتسلّل الى تحقيق اهدافها الإجرامية. فما الذي يدلّ الى كل هذه الأصناف من المخاطر؟
لا يختلف المراقبون الامنيون والديبلوماسيون في تقديراتهم لإحتمال ان تأخذ الأزمة اللبنانية وجهاً جديداً ينحو الى المخاطر الأمنية. فالساحة اللبنانية، التي أُلحقت بالساحتين السورية والعراقية، وتحوّلت مسرحاً للنزاع الأميركي - الإيراني، بإرادة جزء من اللبنانيين، باتت مسرحاً لأشكال مختلفة من المخاطر الأمنية، بينها ما هو من صنع الخارج، الذي يستغل الساحة اللبنانية وينشط فيها، وبعضها الآخر من صنع محلي، وما بينهما تعمل مجموعات منظمة، لديها خبرة في عمليات الخطف لقاء فدية، كما السطو على المصارف والصيدليات والمؤسسات التجارية، قبل ان تتكاثر اعمال السرقة المحدودة لـ«مقطوع» على الطريق او فتاة تتجول وحيدة في مناطق مقفلة ومخفية عن العيون الأمنية، عدا عن الجرائم التي تسبّب بها نازحون سوريون في مناطق مختلفة واتخذت أشكالاً فظيعة لم يعتدها اللبنانيون سابقاً.
بالتأكيد، ليس في ما يُقال خبراً خاصاً. فمن يراقب التقارير الأمنية اليومية يتلمّس حجم اعمال السلب والسرقة المتمادية. فبعد موجة السطو على الشركات والصيدليات، التي توالت بداية جائحة الكورونا وحدّت منها التدابير الأمنية المخفية، واستخدام اصحابها شركات امنية، او انّها قرّرت الإقفال في ساعة مبكرة ليلاً، لم تعد هناك مؤسسة او صيدلية تعمل ليلاً من دون ان تتحوّل مركزاً امنياً.
والى هذه الأحداث المتفرقة التي تنشط وتخبو من فترة الى أخرى، تتبادل المراجع الأمنية معلومات عن اعمال امنية وتخريب مختلفة، في ظلّ الخلاف المحتدم في المنطقة. كما بالنسبة الى المخاطر المحدقة بتحرّكات بعض السياسيين والناشطين على ساحة الإنتفاضة، ليجري تصنيفها بما يُقاس بتجريم البعض لأي تحرّك امني في بعض المناطق، كما هي الحال في مناطق جنوبية وبقاعية، تفلتت لبعض الوقت ايام انتفاضة 17 تشرين العام الماضي، وما تلاها من تحرّكات فاجأت البعض، وخصوصاً في قلب الصحن التابع للثنائي الشيعي، قبل ان تضع جائحة الكورونا حداً لها. فما رافق الاعتداءات على بعض الناشطين تزامن واحراق الخيم ومراكز التجمع، شكلّت دليلاً على ما تسبّبت به هذه التحرّكات من حرج لبعض القوى، التي عُدّ بعضها انقلاباً مرفوضاً او محظوراً على الاقل.
وبمعزل عن كل هذه الأصناف من المخاطر الأمنية، تترصد المراجع الأمنية عمليات أخرى، بُنيت سيناريوهاتها المحتملة على حجم الأزمة الإقتصادية والإجتماعية والبطالة التي تسبّبت بها الأزمة النقدية وفقدان العملة الأجنبية وحالات الإفلاس وغلاء الاسعار، الى درجة قد يبرّرها بعض المراجع ويتفهمها.. فعندما يستخدم احدهم سلاحاً للحصول على حصّة اكبر من حليب الأطفال والحفاضات من صيدلية او سوبرماركت، امر لم يعد وهماً، وهو ما ترجمته مراجع قضائية بفرض عقوبات تخفيفية على ارتكابات من هذا النوع، بعد قراءة اسبابها الانسانية، وتحولت في نظر مراقبين اجانب عملاً مبرراً في مثل هذه الظروف.
على هذه الخلفيات، تخشى المراجع المختصة من مخاطر امنية من صنف آخر، فعممت في الايام الأخيرة سلسلة من التحذيرات على مراجع سياسية وحزبية، ونصحتها بضرورة اتخاذ التدابير الاحتياطية التي تحدّ من تحركاتها وتحمي مقارها، خوفاً من اي خرق امني وخصوصاً بعدما احتدم النزاع في المنطقة، الذي يمكن ان يقود الى عمليات اغتيال تستهدف شخصيات مؤثرة او تلك التي تستفز مشاعر فئات لبنانية وغير لبنانية. فالبلد يعج بالمطلوبين من أجهزة امنية تابعة لأنظمة المنطقة وابعد منها، بعدما تحوّل لبنان ملجأ لهم.
ومن هذه الخلفيات بالذات، لا تخفي المراجع الأمنية نجاحها في تعطيل بعض العمليات بإجراءات إستباقية ادّت غرضها في منع وقوع احداث كانت مرتقبة، وخصوصاً تلك التي رافقت الدعوات الى التظاهر في المرحلة الأخيرة، على خلفية سعي البعض من دعاة الانتفاضة الى الاحتفاظ بشفافيتها، مقابل سعي آخرين الى شيطنتها، وهو ما دلّت اليه احداث 6 و12 حزيران الماضي، وغيرها من تلك التي رافقت الاعتداء على ناشطين. وهي عمليات قادت الى اتهام اجهزة مخابرات اجنبية عربية وغربية، وطاولت اجهزة أمنية او تشكيلات حزبية منظّمة شُكلّت أخيراً، من اجل رصد حراك بعض الناشطين لمعاقبتهم، وهو امر لا يمكن البتّ به نهائياً في انتظار اثبات مثل هذه التهمة في التحقيقات الجارية في اكثر من حادث.
ولا تخفي المراجع مخاوفها من احتمال ان تشهد الطريق الساحلية بين بيروت والجنوب، وتلك التي تربط بيروت بالبقاع، احداثاً محتملة في حال تكرّرت اعمال إقفال الطرق، وسط حديث عن تشكيل مجموعات حزبية لتولّي هذه المهمة، ما لم تنجح المراجع الأمنية في لجمها. فلم ينس احد التقارير الامنية التي وضعها جهاز امني غربي صديق، ان يتجاهل اتهام احد حلفاء «حزب الله» المخابرات في الجيش اللبناني، بوقوفها لفترة خلف اعمال قطع طريق الجنوب عند مثلث خلدة والسعديات، للفصل بين العاصمة ومناطق المقاومة، ورصد تحركات قادتها، على رغم ما انتهت اليه التفاهمات التي وضعت الاتهام على لائحة «الترّهات».
هذا غيض من فيض المخاوف والهواجس التي تتحدث عن المخاطر الأمنية المتوقعة. ولذلك ينصح مرجع امني بارز، بأن تسرّع السلطة بمكوناتها المختلفة الخطى، للبدء بالإصلاحات الضرورية، التي يمكن ان توفر الدعم الخارجي للبنان للخروج من نفق الأزمة النقدية، والتي زادت من خطورتها، ترددات جائحة الكورونا. ولا ينسى المرجع التذكير بموقفه الرافض زيادة سعر صفيحة المازوت الى 23 الف ليرة، في احد اجتماعات المجلس الاعلى للدفاع، لئلا تتكرّر النتائج المترتبة على اقتراح بفرض 6 دولارات على اشتراك الـ «واتس آب» الشهري وما تسبّب به.
وعلى هذه القواعد تتعدّد المخاوف والهواجس الأمنية، ويجري تصنيفها رغم تعقيداتها، وان كانت حرباً اسرائيلية على لبنان واردة في اكثر من سيناريو محتمل، رداً على تصلّب «حزب الله» في ادارة الملف اللبناني، فالمراجع الامنية تستبعد ان تكون الساحة السورية مصدراً للارهابيين، كما يتوقع من روّج لهذا السيناريو. فنتائج المعارك في الشمال والشرق السوريين لا تبرّره. ذلك انّ جغرافية الأرض لا تسمح بوصول اي منهم الى لبنان، إلّا بإذن ممن يسيطر على عمق البلدين وحدودهما، التي تقع تحت سيطرة خليط امني وعسكري محلي، اقليمي ودولي، من حلف واحد لا تشاركه المسؤولية أي قوى أخرى.