لماذا لا تزرع؟ سأل أحد الصغار أحد الكبار في موسم من مواسم الفلاحة حيث البذر بعد سواد الماعز والبقر للأرض التي فقدت خصائصها وما عادت تنتج دون وسخ الحيوانات ودون السماد والأدوية ، ولماذا تأكل مما لا تزرع وأنت عودتنا أن نكون شهداء على أنفسنا ؟
لم يقف الصغير عند السؤالين بل كرّ سُبحة كاملة من الأسئلة لمسؤول يتوضأ بالإجابات لسهولة في الرد السريع كونه تتلمذ باكراً على كتب مراجع عظام يزينون القط من ذيله ويفقهون لغة السوق والسمسرة وما فيه من عرض وطلب وهم يتحكمون بالبضاعة والسلع كونهم على دراية بأحوال التجّار وأشغالهم التي تفرض استفتاء أهل الفتوة كي يسوّقون سلعهم الكاسدة لدى العامة من أهل الإيمان .
عليك الطاعة وعدم العصيان فأنت غير مخول لطرح الأسئلة التي هي من اختصاص أهل العلم من المجيبين على أسئلتهم كونهم تفرغوا لهذا الفن الذي اختصهم به الباري عزّ وجلّ ولو تناول كل منا ما ليس من اختصاصه لشُلّت يد الدين وبات من ديدن الحدادين واللاحدين من أهل التربة ولعمت الفوضىة وعم الفساد في البحر والبر بما كسبت ألسنة الناس من أسئلة ليست من اختصاصهم وهي حكراً على المجتهدين من خيار الأمّة .
إقرأ ايضا : فضوا كل شي ما خلوا إلاّ أكل الكلاب بالتعاونيات
سكت الصغير ودار في رأسه سؤال آخر وكأن موعظة المسؤول لم تردعه أو لم تعصمه من النجاة وعدم الغرق في كفر الأسئلة فبادره بصوت خافت كي يتجاوب مع متطلبات المسؤولية التي تفرض على العنصر وجوب الطاعة في حزب لا يقبل بالمستطاع.. ولكن أنتم معشر القادة تتكلمون دوماً في أشياء مبهمة لا تطابق أدواركم ولا أعمالكم ولا أفعالكم من خشونة الملبس الى كسرة الخبز الى زهد المتصوفة وتعلمون كل العلوم وكل الفنون وأنتم لم تدخلوا مدرسة وأن أكثركم لا حقل له سوى حقل الكلام ولا تمتهنون أيّ مهنة غير مهنة الحديث وأياديكم كأصابع بوبو الخيار صغيرة ولم تشهد عملاً قاسياً وأكثركم لم يتعب يده بحمل قلم بل أكثر ما تتحرك فيكم لقلقات الألسن وهذا ماجعلكم شيوخ موعظة قيلت في القرن الأول وما زلتم ترددونها بصيغ متعددة .
من أين جئت بهذا الكفر وأنت مشروع شهادة وبينك وبين الله مسافة رصاصة وهذا ما يلغي حقك في الوصول باكراً الى قصر من قصور الحور وهذا ما لا يمنحك أوسمة القادة ويأخر دفعتك فتتأخر عن الحياة الآخرة وهذا ما ينقص من ميزان أعمالك فتصبح من الأخسرين أعمالاً فتكون مصداقاً حيّاً للآية الكريمة التي تحدثت عن الأخسرين أعمالاً .
حتى أعيدك لصوابك سأحدثك عن شؤون القادة وشجون القيادة في شجرة الطائفة والحزب والمذهب والتنظيم كي أزيل عنك غشاوة الكفر لأنك من أهل الصلاح ولكن الشيطان لا يستريح إلاّ في عقول من يسألون ويفكرون لأن الإسئلة مصادر الأبالسة وهي تتناسل من جهازه التناسلي لذا إحذر إسئلتك فإنها أولاد أبالسة وشياطين ولا تعيد الكرة كي لا تكون رحماً لأولاد من سأل الله فنفاه وأوجب رجمه بحصاة خاصة ولها مواصفات لا يقبل الرجم إلاّ بالجمرات المنتقاة من دفتر شروط الحج.
نحن أهل الشورى أو الحلّ والعزم أو عقلاء الأمة وفقهاؤها أو ورثة الأنبياء والأولياء قد بُث فينا العلم وزرعت المعرفة في صدورنا وسُقينا ماءًا طهوراً ونحن نسأل ولا نُسألُ وقد أفاض الله علينا بنعم بركاته من إجابات جاهزة ومعلبة سلفاً وتحت الطلب لكل طالب حصّل واجتهد في تعطيل العقل وإعارته لخالقه الأدرى بمصالحه ومفاسده .
إذن سأترك البندقية وأحمل المعول كي أزرع ولكن لا أرض عندي لأزرعها لقد حررت الأرض ولا أملك منها شبراً لقد اشتروها نواب الأمّة .
من قال لك إزرع ؟ أنت دعوتني للحقل والعودة الى الفدان .
زرعك غير زرعهم أنت تزرع ما لا يزرعونه وهم يزرعون ما لا تزرعه ولا ضير في ذلك ما دام موسم الزراعة ومواسم الحصاد والخير يأتينا من كل حدب وصوب ونحن في حقل الكلام نزرع أيضاُ مواعظ من كل الخضار والفواكه وما لذّ منها وما طاب .