الواقع العام في لبنان وصل الى مرحلة يمكن توصيفها بانه أصبح مريض شبه الميؤوس من شفائه، اليوم بات من الضروري وقبل الدخول في وضع الوصفة العلاجية لا بد من اعطاء المريض مضادات حيوية ضد الإكتئاب ومنشطات لإنعاش الذاكرة بأن سوريا والعراق وإيران والصين لا يملكون الترياق الشافي لخروج لبنان من واقعه الاقتصادي والمالي المزري إلا بضخ كميات كبيرة من الدولار . والاوهام المبنية تحت عنوان الى الشرق در ان تمد لبنان بما يحتاجه، الدرب الوحيد صندوق النقد الدولي الذي لديه شروطاً من اجل تقديم المساعدة .وهذه الشروط ليست محل إجماع وطني . ليس امام لبنان سوى صندوق النقد الذي تحوّل الى المفتاح الذي يسمح بالخروج من الانهيار الكلّي.
فالعراق، حتّى لو امتلك كلّ النيّات الطيبة، بلد مفلس لديه مشاكل ضخمة لن يقوى على حلّها في المدى المنظور لاكثر من سبب. على سبيل المثال هبوط سعر برميل النفط والعدد الضخم لموظفي القطاع العام الذين يقبضون راتبا من الدولة من دون ان يكون لهم ايّ عمل بالاضافة الى ذلك ان القطاع الزراعي في لبنان غير مؤمم وكذلك قانون قيصر. يبدو التسويق لخيار التوجّه شرقاً وتحديداً في ما خصّ استيراد النفط مجرّد اقتراح إستهلاكي، بعيداً كل البعد عن إمكانية التطبيق، أولاً نتيجةً للعقوبات على سوريا وإيران رغم إصرار حلفاء إيران الداخليين على عدم جدوى العقوبات وسعيهم لتأمين اكتفاء مناطقيّ شامل، وثانياً للعراقيل الفنّيّة وهي كثيرة.ان العقوبات الأميركية أخافت دولاً عظمى اقتصادياً على غرار الصين التي تمتنع منذ العام الماضي عن شراء النفط الإيراني بشكل رسمي.
إقرأ ايضا : التوجه إلى الشرق محاولة لشراء الوقت
فالولايات المتحدة الأميركية لم تُجدّد الاجازات الاستثنائية الموقّتة التي كانت قد منحتها الى بعض الدول مثل الهند وغيرها لشراء النفط الإيراني، وهذا ما يدل على جدية الولايات المتحدة في تطبيق العقوبات. وهنا لا بدّ من السؤال كيف للبنان ان يواجه نتائج مخالفة هذه العقوبات في حين لم تتجرأ على ذلك دول كبرى فأواخر الاسبوع المنصرم، أصدر القضاء الأميركي القرار بالحجز على 4 سفن إيرانية محمّلة بالنفط لفنزويلا.
يتفق الجميع على ان اصحاب الحل والربط ، المعنيين بالمعالجات، قد توصلوا الى ما يمكن اعتباره مدخلا لقطع الطريق ، على ما هو اشد خطرا مما يحصل من انهيارات،على المستويات السياسية و الاقتصادية والمالية والمعيشية ناهيك بالمؤشرات الخارجية، التي تنذر بمزيد من التعقيدات، على الساحة الداخلية، جراء التصعيد الاميركي، وتحديدا ضد ايران وحزب الله لقد بات واضحا ، ان هشاشة الامن الاجتماعي السياسي الاقتصادي المالي المعيشي ، يلقي المزيد من الاعباء والضغوط، على سائر المناطق اللبنانية، كما تزيد على القوى العسكرية والامنية، بمزيد من الاعباء والمسؤوليات، تضعها وجها لوجه، امام الغضب الشعبي المتصاعد، لاسيما وان فشل المعالجات، ربما يزيد من احتمالات الصدام، ناهيك عن الحركة الديبلوماسية الغربية المتصاعدة، التي لم تخلو من تحذيرات واضحة، والدعوات الى انجاز المطلوب، من اجل ضبط الامورالتي لا بد منها والمدخل الطبيعي لذلك هو تنفيذ برنامج الإصلاحات.
خصوصا وان المعلومات المتداولة ، تتحدث عن ان الولايات المتحدة الاميركية ، ترصد بشكل. مباشر، رد فعل حزب الله في الداخل اللبناني، كما وعلى امتداد الحدود الجنوبية، مع اسرائيل وقد اتهمته بانه دخل حالة الاستنفارمع تأكيد الخارجية الاميركية اتهامها الحزب بانه قوة مزعزعة للاستقرار في لبنان والمنطقة وهي ستفعل ما في وسعها، من اجل مستقبل افضل للبنان لافتة الى ان القادة اللبنانيين ، امام خيارات صعبة . سيسجل التاريخ وقائع هذه الأيام السوداء، وما يُعانيه اللبنانيون من العوز والفقر، في ظل حكم مُكابر ومُعاند، لا يُجيد غير سياسة الإنكار للهروب من الأزمة المصيرية التي تعصف بالبلد، وتهدد مصير الأجيال القادمة، ويُحاول التستر على عجزه برمي المسؤولية على غيره، والتنصل من فساد السنوات الأخيرة، الذي فاق كل ما سبقه من جشع ووقاحة في نهب الأموال العامة .هل تغيير الحكومة فقط يُخرج البلد من محنته، أم أن المطلوب هو تغيير الذهنية الميكافيلية المهيمنة على المنظومة السياسية الفاسدة .
مصادر مسؤولة تقول إن فشل الحكومة في امتحان إجراء الإصلاحات وفشل مصرف لبنان بامتحان ضبط الدولار من شأنهما أن يفتحا على مرحلة جديدة.فالحكومة امام امتحان اما التقدم أو الى البيت در. ومثل هذا الكلام يعني ضمنياً ان الثنائي الشيعي كما التيار الوطني الحر منحا الحكومة فترة تضعها على محك تنفيذ الوعود بالاصلاحات والضغط على رئيس الحكومة لحثه على التقدم بخطوات على هذا الصعيد، وإلا يصبح صعباً على الجميع تغطية استمرار الحكومة.