قد لا يوجد حب يضاهي حب الإيطاليين للبيتزا، لكن فيروس كورونا خلال ذروة انتشاره في إيطاليا اضطرهم إلى الابتعاد عن تناول وجبتهم المفضلة في المطاعم، فكيف تعاملوا مع هذا الأمر؟
قبل عامين ونصف، أدرجت منظمة «اليونيسكو» فنّ صناعة البيتزا النابولية أو ما تُعرف بإسم «بيتزا نابوليتانا»، نسبة إلى مدينة نابولي الإيطالية، على قائمة التراث العالمي غير المادي. فصناعة البيتزا ليست مجرّد حرفة، وإنما هي جزء من الثقافة والتاريخ في نابولي وعموم إيطاليا.
وتقدّر الرابطة الوطنية للحرف والمشاريع الصغيرة والمتوسطة في إيطاليا وجود نحو 76600 مطعم وخدمة توصيل بيتزا في البلاد. وترجح الرابطة أنّ حوالى 16% من هذه المطاعم مقرّها في منطقة كامبانيا (عاصمتها نابولي) جنوب غربي البلاد، وهو ما يعني أنّ صانعي البيتزا في هذه المنطقة بالأخص، تعرّضوا خلال أزمة كورونا إلى معاناة بسبب إغلاق محلاتهم.
وخلال ذروة انتشار الوباء التي فُرض فيها الحَجر المنزلي، كان صانعو البيتزا يعانون نفسياً أيضاً، وقد وجدوا في وسائل التواصل الاجتماعي منفساً لهم. فاستخدمها بعضهم للبحث عن الدعم النفسي أو للتعبير عن إحباطه، ونشر آخرون مقاطع فيديو يشرحون فيها للمتابعين خطوات صنع البيتزا النابولية في منازلهم.
صانع البيتزا، أريكو بورزيو، من مدينة نابولي يمتلك 6 مطاعم بيتزا ويعمل لديه أكثر من 60 موظفاً، وهو أيضاً أحد الذين شاركوا متابعيهم وصفات البيتزا النابولية. وقام بورزيو بتوضيح خطوات صنع البيتزا عبر صفحته الشخصية على «فيسبوك»، وحصد مقطع الفيديو تقريباً نصف مليون مشاهدة في أيام قليلة. وقال تعليقاً على ذلك: «هذا يعني أنّ الناس بالفعل يبقون في منازلهم ويبحثون عن طرق لعمل البيتزا».
وشاركه الرأي إيجيديو دي سيتشو، وهو أيضاً صانع بيتزا من مدينة كوينديتشي الواقعة نحو 40 كيلومترا إلى الشرق من نابولي، وقال: «تقدّمت بطلب للإعانة الحكومية، ولكني أفضّل العودة للعمل. أكثر ما أفتقده هو التواصل مع الناس، فهم سبب حبك لعملك».
تبادل وصفات البيتزا بين الأهل والأصدقاء أصبح منتشراً في أيطاليا خلال فترة العزل المنزلي بسبب فيروس كورونا.
حنين للبيتزا
استمر إيجيديو في عمل البيتزا لأسرته في الحَجر المنزلي وقال ضاحكاً: «في هذه الأيام يتمنّى الجميع لو كان لديهم صانع بيتزا في البيت. أحد أصدقائي كان يريد الإقامة في منزلي أثناء الحَجر».
لا تُعدّ هذه مبالغة من قبل صديقه، فالذهاب الى مطعم بيتزا مرة في الأسبوع على الأقل، من تقاليد الأُسر الإيطالية. وفي منطقة فيزوف على سبيل المثال، يوجد مطعم بيتزا واحد لكل 335 شخصاً. لكن في ظل إغلاق جميع المطاعم اضطر السكان في هذه المنطقة للجوء إلى المطبخ المنزلي لصنع البيتزا. وقالت روبيرتا إسبوزيتو من مدينة بورتيشي القريبة من نابولي: «نفتقد البيتزا بشدة، ونحاول صنعها في المنزل، ولكن بالطبع لا توجد مقارنة».
لكن مع اتجاه الناس لصنع البيتزا في منازلهم، شهدت المتاجر نقصاً متزايداً في منتجات الدقيق والخميرة. وقالت كلاوديا جويارديلو من مدينة بينيفينتو: «يتداول العديدون مقاطع فيديو عن كيفية صنع بديل للخميرة العادية في حال عدم وجودها في المتاجر»، وأضافت ضاحكة: «أعتقد أننا صرنا نأكل بيتزا ضعف ما كنا نأكله من قبل».
تبعات الأزمة
وكانت صناعة البيتزا والتجارة المرتبطة بها تنمو بثبات في العقد الماضي، ومعها ترتفع الأرباح. أما بعد الأزمة الحالية لكورونا فقد يحتاج القطاع إلى كثير من الوقت للتعافي.
ويقول بورزيو: «البيتزا في نابولي مثل القهوة، فهي عادة لن تتغيّر. لكن القيود التي ستوضع بعد إعادة فتح المطاعم ستجبرنا على تغيير النموذج التجاري الذي نعمل به تماماً. على سبيل المثال، سنضطر الى زيادة توصيل الطلبات للمنازل والاعتماد على الحجوزات المسبقة للزبائن عند القدوم للمطعم. يجب أن نتكيّف مع هذه التغييرات بدون إزعاج عملائنا».