كتب حسام عيتاني في صحيفة الشرق الأوسط:
فقدت جلسة الحوار التي دعا إليها الرئيس ميشال عون معناها بعد إعلان عدد من القوى السياسية الوازنة مقاطعتها أعمال اللقاء المقرر في القصر الجمهوري في بعبدا لترميم بعض من شرعية الحكم الحالي وسط انهيار اقتصادي وتفلت أمني وخشية من دخول لبنان مرحلة الفوضى الشاملة في ظل غياب سلطة تحظى بقاعدة شعبية متينة وواسعة.
تعددت أهداف الحوار بتعدد مؤيدي عقده. دعا عون (أو بالأحرى من يخطط عنه ويضع البرامج له) إلى اللقاء الموسع بعد اقتراب الشارع من الانفجار يومي 6 و12 حزيران. في اليوم الأول تصاعدت هتافات مذهبية ضد رمز للطائفة السنية وجرت محاولة اقتحام منطقة عين الرمانة المسيحية. وفي الثاني جرت عمليات حرق منظمة لمحلات تجارية في وسط بيروت وطرابلس تبادلت الأطراف الاتهامات بالمسؤولية عنها فيما ألقى آخرون وزر الأحداث على المنتفضين والمتظاهرين الذين كانوا يحتجون على تدهور الوضع المعيشي.
غني عن البيان أن التدهور المذكور ما زال في بداياته وأنه سيتفاقم ويتسارع مع ظهور آثار تطبيق «قانون قيصر» الأميركي ضد النظام السوري، نظراً إلى الترابط العضوي بين الاقتصادين اللبناني والسوري. يضاف إلى ذلك أن حكومة حسان دياب لجأت إلى الحل الأمني لعلاج انخفاض سعر الليرة اللبنانية أمام الدولار وهذا نهج أقل ما يقال فيه إنه عديم الجدوى في بلد مفتوحة حدوده على النحوين الشرعي وغير الشرعي لكل أنواع التبادل والتجارة والتهريب.
يريد رئيس الجمهورية إذن ترميم شرعية رضّها الشارع رضّات قاسية منذ 17 تشرين الأول 2019 ولم يتمكن النظام السياسي من إنقاذ نفسه من السقوط إلا باللجوء إلى أدواته المفضلة: إحياء مناخات الحرب الأهلية والذعر الطائفي المعمم، من جهة والتلويح بقدرات «حزب الله» العسكرية للجم الحراك الاحتجاجي، من جهة ثانية، وتعزيز التحالف بين السياسيين وأصحاب المصارف القابضين من غير وجه حق على مدخرات اللبنانيين.
استعادة قدر من الشرعية لحكومة مهتزة وغير قادرة على ممارسة مهماتها اليومية، حاجة ماسّة لـ«حزب الله» الذي يرى أن الأنشوطة تضيق حول أعناق حلفائه في طهران ودمشق وأن منع إعادة إعمار سوريا قبل المباشرة بعملية سياسية حقيقية (وهذا أحد أهداف قانون قيصر) قد ينعكس على جمهوره الذي بات يعاني من الأزمة الاقتصادية المحلية أسوةً بباقي اللبنانيين. وحسب تلميحات زعيم الحزب حسن نصر الله وعدد من معاونيه والمصادر القريبة منه، فإن «حزب الله» لن يقبل لا بإسقاط الحكومة الحالية ولا ببلوغ الوضع الاقتصادي حد المجاعة، ما ينطوي على إشارات ضمنية عن إمكان تفجير الجبهة ضد إسرائيل، على رغم اتفاق المراقبين على استحالة هذا الخيار وسمته الانتحارية في الظروف القائمة.
الطرف الآخر من الثنائي الشيعي، رئيس مجلس النواب نبيه بري، سعى قبل انعقاد لقاء بعبدا إلى تقليص الخلافات بين القوى التقليدية عبر سلسلة من الاجتماعات التي رعاها وتلخصت غايتها في العمل على إقالة حكومة حسان دياب وتشكيل حكومة «وحدة وطنية» شبيهة بتلك التي سقطت على أثر مظاهرات 17 تشرين الأول بحيث تتحمل كل الطوائف ممثلة بقياداتها المعترف بها مسؤولية الانهيار الذي لا ينبغي أن يظل، حسب هذه الرؤية، من نتائج سياسات فريق سياسي معين هو فريق عون والثنائي الشيعي.
تعويل بري كان في المقام الأول على رغبة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري بالعودة إلى السراي الحكومي. لكن هذه المقاربة فشلت بعد انضمام الحريري إلى مواقف زملائه من رؤساء الحكومات السابقين الذين رفضوا المشاركة قائلين إنه ليس لدى «السلطة مجتمعة القدرة على ابتكار الحلول التي تنقذ لبنان بكل مكوناته». سحب هذا الموقف التمثيل السني الأكبر من لقاء بعبدا فيما لا يعتد على المستوى العام بمن يحضر من الشخصيات السنية خصوصاً دياب.
التمثيل المسيحي ليس أفضل حالاً. إذ أعلن الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية مقاطعته. الدافع إلى موقف فرنجية –وهو حليف مقرب من بشار الأسد- موجود في الحسابات الانتخابية الرئاسية قبل أي شيء آخر. أما «القوات اللبنانية» فأبقت مشاركتها معلقة حتى اللحظة الأخيرة وهذا دأبها في مثل هذه الدعوات.
لن ينتج شيء عن لقاء بعبدا سوى عدد من الخطابات والكلمات عديمة المعنى. ذلك أن ما يراد تحقيقه أكبر وأكثر تعقيداً بكثير من قدرات المشاركين الذين يتجاهلون أن الصيغة الحالية للبنان قد أفلت وأن البلاد في حالة فراغ كامل وسقوط حر لن تنقذها منهما شهوات البعض السلطوية ولا تمسك آخرين بمناصب ومقاعد باتت كلها مع لبنان وشعبه على شفير الهاوية.