الشيخ حسن بن سعد الدين خالد، مفتي الجمهورية اللبنانية منذ عام 1966 م حتى استشهاده عام 1989. ولد في بيروت عام 1921 وتلقى دروسه الابتدائية في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت، تابع دراسته المتوسطة والثانوية في معهد أزهر لبنان، ودرس المرحلة الجامعية في جامعة الأزهر الشريف في القاهرة، فكان لنشأته الدينية أثر في مناحي تفكيره وفي تحرره من الارتباط بأي إتجاه حزبي أو شخصي،
وهو محافظ على أخلاقه الخاصة إلى أضيق الحدود، متورع في عمله وتصرفاته إلى أدق الأمور ولكنه في تفكيره منفتح متحرر، فقد تركت دراسته للفلسفة الإسلامية ولعلوم الكلام والمنطق أثرها في سعة مناهج التفكير لديه وسماحة البحث الحر والابتعاد عن التعصب، ولكنه ينتهي دوماً إلى التمسك بأخلاق الدين والتقيد بمناهجه. وكان جريئاً في الحق يعلن رأيه في وجه القادة والرؤساء دون مهاودة أو مساومة ولقد ظل سائراً على هذا الإتجاه منذ ممارسة عمله في الوظيفة ورسالته في التوجيه حتى أجمعت الطائفة الإسلامية بكل فئاتها في لبنان على تقديره وتوقيره ونزاهته.
ومن ذلك كان إجماع العلماء والزعماء وأهل الرأي على اختياره لمنصب الإفتاء في الجمهورية اللبنانية. رفض سماحة المفتي أن تنفرد الزعامات السياسية السنية في لبنان بإدارة شؤون المسلمين بمعزل عن دار الإفتاء، وقام بترؤس (اللقاء الإسلامي) الذي كان يضم رؤساء الحكومات، والوزراء، والنواب، والزعامات السنية، والذي كانت تصدر عنه قرارات جريئة على صعيد الأحداث اللبنانية. وكان الشيخ من الرافضين للاتفاق الذي عقده رئيس الجمهورية اللبنانية أمين الجميل آنذاك مع الصهاينة المعروف بـ "اتفاقية 17 أيار"، الذي يقضي بصهينة لبنان، فرفضه وأيّد إسقاطه، وأكد على عروبة هذه الأرض وإسلاميتها. كما كان رافضاً للأعمال التخريبية التي قامت بها ميليشيات لبنانية عام 1986 في المناطق السنية في بيروت. ودعا إلى عدم التدخل في شأن لبنان من الأطراف والجهات الخارجية التي تريد أن تعبث به.
ولكن دائماً عند رسم كل خريطة جديدة لبلد من بلاد المسلمين يسعى أعداء الأمة أولاً إلى ضرب رموز تلك البلد لتمرير مخططاتهم بلا معارض ولا محذر، فكان للشيخ حسن خالد رحمه الله قدر مع الشهادة، على يد النظام السوري في16 أيار 1989 م بانفجار عبوّة ناسفة لدى مرور سيارة سماحة المفتي في منطقة عائشة بكار. وذهب أيضاً ضحية هذا العمل الإجرامي 16 شخصاً من بينهم إثنان من مرافقي المفتي الشهيد. دُفن في مقبرة الإمام الأوزاعي في اليوم التالي لاستشهاده، وسط غضب عارم في الشارع السني لاغتيال رأس الهرم السني في لبنان. ولا شك أن هذه الذكرى تحوي الكثير من الحقائق عن الإجرام السوري بحق لبنان وشعبه وأمنه، فالنظام البعثي لم يعترف يوما بكيانية وطننا ولا بهويته ووجوده، فاسترخصه وعبث بدماء اللبنانيين قتلا وتشريدا. ورثا الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري الشيخ حسن خالد بقصيدة طويلة، ممّا جاء فيها:
قتلتموه فسما خالداً مبوّأً مقعده في السماء"
فعشتم في حومة من ردى هلكى وغرقى في بحار الدماء
وخالد حي قرير لدى خالقه الرحمن في الأصفياء
شهادة يرقى الذي نالها إلى ركاب الرسل الأنبياء".